Index
حكاية هارون الرشيد مع علي العجمي وما يتبع ذلك من حديث الجراب الكردي
Haroon ar-rasheed with Ajami

و مما يحكى أيضاً أن الخليفة هارون الرشيد قلق ليلة من الليالي فاستدعى بوزيره فلما حضر بين يديه قال له: يا جعفر إني قلقت الليلة قلقاً عظيماً وضاق صدري وأريد منك شيئاً يسر خاطري وينشرح به صدري. فقال له جعفر: يا أمير المؤمنينإن لي صديقاً اسمه علي العجمي وعنده من الحكايات والأخبار المطربة ما يسر النفوس ويزيل عن القلب البؤس فقال له: علي به فقال: سمعاً طاعة. ثم إن جعفر خرج من عند الخليفة في طلب العجمي فأرسل خلفه فلما حضر قال له: أجب أمير المؤمنين فقال: سمعاً وطاعة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الخامسة والثلاثين بعد الثلاثمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن العجمي قال: سمعاً وطاعة ثم توجه معه إلى الخليفة فلما تمثل بين يديه أذن له بالجلوس فجلس فقال له الخليفة: يا علي إنه ضاق صدري في هذه الليلة وقد سمعت عنك أنك تحفظ حكايات وأخبار وأريدمنك أن تسمعني ما يزيل همي ويصقل فكري. فقال: يا أمير المؤمنين هل أحدثك بالذي رأيته بعيني أو بالذي سمعته بأذني؟ فقال: إن كنت رأيت شيئاً فاحكه؟ فقال: سمعاً وطاعة يا أمير المؤمنين إني سافرت في بعض السنين من بلدي هذه وهي مدينة بغداد وصحبتي غلام ومعه جراب لطيف ودخلنا المدينة.

فبينما أنا أبيع وأشتري وإذا برجل كردي ظالم متعدي قد هجم علي وأخذ مني الجراب وقال: هذا جرابي وكل ما فيه متاعي فقلت: يا معشر المسلمين خلصوني من يد أفجر الظالمين، فقال الناس جميعاً: اذهبا إلى القاضي واقبلا حكمه بالتراضي؟ فتوجهنا إلى القاضي وأنا بحكمه راضي فلما دخلنا عليه وتمثلنا بين يديه قال القاضي: في أي شيء جئتما؟ وما قضية خبركما؟ فقلت: نحن خصمان إليك تداعينا بحكمك تراضينا فقال: أيكما المدعي؟ فتقدم الكردي وقال: أيد الله مولانا القاضي إن هذا الجراب جرابي وكل ما فيه متاعي وقد ضاع مني ووجدته مع هذا الرجل. فقال القاضي: ومتى ضاع منك؟ فقال الكردي: من أمس هذا اليوم وبت لفقده بلا نوم. فقال القاضي: إن كنت تعرفه فصف لي ما فيه؟ فقال الكردي: في جرابي هذا مردوان من لجين وفيه أكحال للعين ومنديل لليدين ووضعت فيه شرابتين وشمعدانين وهو مشتمل على بيتين وطبقتين وملعقتين ومخدة ونطعين وابريقين وصينية وطشتين وقسدرة وزلعتين ومغرفة وسلة ومردوين وهرة وكلبتين وقصعة وقعيدتين وجبة وفروتين وناقتين وجاموسة وثورين ولبة وسبعين ودبة وثعلبين ومرتبة وسريرين وقصراً وقاعتين ورواقاً ومقعدين ومطبخاً ببابين وجماعة أكراد يشهدون أن الجراب جرابي.

فقال القاضي: ما تقول أنت يا هذا؟ فقلت إليه: يا أمير المؤمنين وقد أبهتني الكردي بكلامه فقلت: أعز الله مولانا القاضي أنا في جرابي هذا دويرة خراب واخرى بلا باب ومقصورة للكلاب وفيه الصبيان كتاب وشباب يلعبون الكعاب وفيه خيام وأطناب ومدينة البصرة وبغداد وقصر شداد بن عاد وكور حداد وشبكة صياد وأوتاد وبنات وأولاد وألف قواد يشهدون أن الجراب جرابي.

فلما سمع الكردي هذا الكلام بكى وانتحب وقال: يا مولانا القاضي إن جرابي هذا معروف وكل ما فيه موصوف في جرابي هذا حصون وقلاع وكراكي وسباع ورجال يلعبون بالشطرنج والرقاع وفي جرابي هذا حجرة ومهران وفحل وحصانان ورمحان طويلان وهو مشتمل على سبع وارنبين ومدينة وقريتين وقحبة وقوادين شاطرين ومخنث وعلقين وأعمى وبصيرين واعرج وكسيحين وقسيس وشماسين وبطريق وراهبين وقاض وشاهدين وهم يشهدون أن الجراب جرابي فقال القاضي: ما تقول يا علي؟ فامتلأتغيظاً يا أمير المؤمنين وتقدمت إليه وقلت: أيد الله مولانا القاضي. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السادسة والثلاثين بعد الثلاثمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن العجمي قال: فامتلأت غيظاً يا أمير المؤمنين وتقدمت إليه وقلت: أيد الله مولانا القاضي أنا في جرابي هذا زرد وصفاح وخزائن سلاح وألف كبش نطاح وفيه للغنم مراح وألف كلب نباح وبساتين وكروم وازهار ومشموم وتين وتفاح وصور وأشباح وقناني وأقداح وعرائس ومغاني وأفراح وهرج وصياح وأقطار فساح وأخوة نجاح ورفقة صباح ومعهم سيوف ورماح ملاح وقوس ونشاب وأصدقاء وأحباب وخلان وأصحاب ومحابس للعقاب وندماء للشراب وطنبور ونايات وأعلام ورايات وصبيان وبنات وعرائس مجليات وجوار مغنيات وخمس حبشيات وثلاث هنديات وأربع مدنيات وعشرون روميات وخمسون تركيات وسبعون عجميات وثمانون كرديات وتسعون جرجيات والدجلة والفرات وشبكة صياد وقداحة وزناد وإرم ذات العماد وألف علق وقواد وميادين واصطبلات ومساجد وحمامات وبناء وتجار وخشبة ومسمار وعبد أسود ومزمار ومقدم وركبدار ومدن وأمصار ومائة ألف دينار والكوفة مع الأنبار وعشرون صندوقاً ملآنة بالقماش وخمسون حاصلاً للمعاش وغزة وعسقلان من دمياط إلى أصوان وإيوان كسرى وأنوشروان وملك سليمان ومن وادي نعمان إلى أرض خراسان وبلخ وأصبهان ومن الهند إلى بلاد السودان وفيه أطال الله عمر مولانا القاضي غلائل وعراضي وألف موس ماض تحلق ذقن القاضي إن لم يخش عقابي ولم يحكم بأن الجراب جرابي.

فلما سمع القاضي هذا الكلام تحير عقله من ذلك وقال: ما أراكما إلا شخصين نحسين أو رجلين زنديقين تلعبان بالقضاة والحكام ولا تخشيان من الملام لأنه ما وصف الواصفون ولا سمع السامعون بأعجب مما وصفتما ولا تكلموا بمثل ما تكلمتما والله إن من الصين إلى شجرة أم غيلان ومن بلاد فارس إلى أرض السودان ومن وادي نعمان إلى أرض خراسان لا يسع ما ذكرتماه ولا يصدق ما ادعيتماه فهل هذا الجراب بحر ليس له قرار أو يوم العرض الذي يجمع الأبرار والفجار. ثم إن القاضي أمر بفتح الجراب ففتحه وإذا فيه خبز وليمون وجبن وزيتون ثم رميت الجراب قدام الكردي ومضيت فلما سمع الخليفة هذه الحكاية من علي العجمي استلقى على قفاه من الضحك وأحسن جائزته.