Index
حكاية مدينة النحاس
City of Brass

وفي الليلة الثامنة والستين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجني الذي في العامود لما حكى لهم حكايته من أولها إلى أن سجن في العامود، قالوا له أين الطريق الموصلة إلى مدينة النحاس فأشار لنا إلى طريق المدينة وإذا بيننا وبينها خمسة وعشرون باباً لا يظهر منها باب واحد ولا يعرف له أثر، وسورها كأنه قطعة من جبل أو حديد صب في قالب، فنزل القوم ونزل الأمير موسى والشيخ عبد الصمد واجتهدوا أن يعرفوا لها باباً ويجدوا لها سبيلاً فلم يصلوا إلى ذلك فقال الأمير موسى يا طالب كيف الحيلة في دخول هذه المدينة فلابد أن نعرف لها باباً ندخل منه فقال طالب أصلح الله الأمير لنستريح يومين أو ثلاثة وندبر الحيلة إن شاء الله تعالى في الوصول إليها والدخول فيها. قال: فعند ذلك أمر الأمير موسى بعض غلمانه أن يركب جملاً ويطوف حول المدينة لعله يطلع على أثر باب، أو موضع قصر في المكان الذي هم فيه نازلون فركب بعض غلمانه وسار حولها يومين بلياليهما يجد السير ولا يستريح فلما كان اليوم الثالث أشرف على أصحابه، وهو مدهوش لما رأى من طولها وارتفاعها، ثم قال أيها الأمير إن أهون موضع فيها هذا الموضع. ثم إن الأمير موسى أخذ طالب بن سهل والشيخ عبد الصمد، وصعد على جبل مقابلها وهو مشرف عليها، فلما طلعوا ذلك الجبل رأوا مدينة لم تر العيون أعظم منها، قصورها عالية وقبابها زاهية ودورها عامرات وأنهارها جاريات وأشجارها مثمرات وأنهارها يانعات وهي مدينة بأبواب منيعة خالية مدة لا حس فيها، ولا انس يصفر البوم في جهاتها ويحوم الطير في عرضاتها وينمق الغراب في نواحيها وشوارعها ويبكي على من كان فيها.

فوقف الأمير موسى يتندم على خلوها من السكان، وخرابها من الأهل والقطان وقال سبحان من لا تغيره الدهور والأزمان خالق الخلق بقدرته فبينما هو يسبح الله عز وجل إذ حانت منه التفاتة إلى جهة وغذا فيها سبعة ألواح من الرخام الأبيض وهي تلوح من البعد، فدنا منه فإذا هي منقوشة مكتوبة فأمر أن تقرأ كتابتها، فتقدم الشيخ عبد الصمد وتأملها وقرأها فإذا فيها وعظ واعتبار وزجر لذوي الأبصار، مكتوب على اللوح الأول بالقلم اليوناني يا ابن آدم ماذا أغفلك عن أمر هو أمامك قد ألهتك عنه سنينك وأعوانك أما علمت أن كأس المنية لك يترع وعن قريب له تتجرع فانظر لنفسك قبل دخولك رمسك أين من ملك البلاد وأذل العباد وقاد الجيوش نزل بهم والله هادم اللذات ومفرق الجماعات ومخرب المنازل العامرات فنقلهم من سعة القصور إلى ضيق القبور وفي أسفل اللوح مكتوب هذه الأبيات:

أين الملوك ومن بالأرض قد عمروا قد فارقوا ما بنوا فيها وما عمروا

وأصبحوا رهن قبر بالذي عمـلـوا عادوا رميماً به من بعد ما دثـروا

أين العساكر ما ردت وما نفـعـت وأين ما جمعوا فيها وما ادخـروا

أتاهم رب العرش علـى عـجـل لم ينجهم مـنـه أمـوال ولا وزر

فبكى الأمير موسى وجرت دموعه على خده، وقال: والله إن الزهد في الدنيا هو غاية التوفيق ونهاية التحقيق ثم إنه أحضر دواة وقرطاساً وكتب ما على اللوح الأول، ثم إنه دنا من اللوح الثاني وإذا عليه مكتوب يا ابن آدم ما غرك بقديم الأزل وما ألهاك عن حلول الأجل، ألا تعلم أن الدنيا دار بوار ما لأحد فيها قرار وأنت ناظر إليها ومكب عليها، أين الملوك الذين عمروا العراق وملكوا الآفاق أين من عمروا أصفهان وبلاد خراسان دعاهم داعي المنايا فأجابوه وناداهم منادي الفناء فلبوه وما نفعهم ما بنوا وشيدوا ولا رد عنهم ما جمعوا وعددوا وفي أسفل اللوح مكتوب هذه الأبيات:

أين الذين بنـوا لـذاك وشـيدوا غرفاً به لم يحكـهـا بـنـيان

جمعوا العساكر والجيوش مخافة من ذل تقدير الإله فـهـانـوا

أين الأكاسرة المناع حصونهـم تركوا البلاد كأنهم ما كـانـوا

فبكى الأمير وقال والله لقد خلقنا لأمر عظيم ثم كتب ما عليه ودنا من اللوح الثالث.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة التاسعة والستين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الأمير موسى دنا من اللوح الثالث فوجد فيه مكتوباً يا ابن آدم أنت بحب الدنيا لاه وعن أمر ربك ساه كل يوم من عمرك ماض وأنت قانع وراض فقدم الزاد ليوم الميعاد واستعد لرد الجواب بين يدي رب العباد وفي أسفل اللوح مكتوب هذه الأبيات:

أين الذي عمر البلاد بأسرهـا سنداً وهنداً واعتدى وتجبـرا

والزنج والحبش استقاد لأمـره والنوب لما أن طغى وتكبـرا

لا تنتظر خيراً بما في قبـره هيهات أن تلقى بذلك مخبـرا

فدعته من ريب المنون حوادث لم ينجه من قصره ما عمـرا

فبكى الأمير موسى بكاء شديداً ثم دنا من اللوح الرابع فرأى مكتوباً عليه يا ابن آدم كم يملك مولاك وأنت خائض في بحر لهواك كل يوم أوحى إليك أنك لا تموت، يا ابن آدم لا تغرنك أيامك ولياليك، وساعاتك الملهية وغفلاتها واعلم أن الموت لك مرصداً وعلى كتفك صاعداً ما من يوم يمضي إلا صبحك صباحا ومساك مساء فاحذر من هجمته واستعد له فكأني بك وقد جعلت طول حياتك وضعت لذات أوقاتك، فاسمع مقالي وثق بمولى الموالي ليس للدنيا ثبوت، إنما الدنيا نسجة العنكبوت ورأى في أسفل اللوح مكتوباً هذه الأبيات:

أين من أسس الذرى وبنـاهـا وتولى مشـيدهـا ثـم عـلا

أين أهل الحصون من سكنوها كلهم عن تلك الصياصي تولى

أصبحوا في القبور رهناً ليوم فيه حقاً كل السرائر تبـلـى

ليس يبقى سوى الإله تعالـى وهو مازال للكـرامة أهـلا

فبكى الأمير موسى وكتب ذلك ونزل من فوق الجبل وقد صور الدنيا بين عينيه، فلما وصل إلى العسكر وأقاموا يومهم يدبرون الحيلة في دخول المدنية، فقال الأمير موسى لوزيره طالب بن سهل ولمن حوله من خواصه كيف تكون الحيلة في دخول المدينة لننظر عجائبها لعلنا نجسد فيها ما نتقرب به إلى أمير المؤمنين.

فقال طالب بن سهل أدام الله نعمة الأمير نعمل سلماً ونصعد عليه لعلنا نصل إلى الباب من الداخل، فقال الأمير موسى هذا ما خطر ببالي وهو نعم الرأي، ثم إنه عاد بالنجارين والحدادين وأمرهم أن يسووا الأخشاب ويعملوا سلماً مصفحاً بصفائح الحديد، ففعلوه وأحكموه ومكثوا في عمله شهراً كاملاً واجتمعت عليه الرجال فأقاموه وألصقوه بالسور، فجاء مساوياً له كأنه قد عمل له قبل ذلك اليوم.

فتعجب الأمير موسى منه وقال بارك الله فيكم كأنكم قستموه عليه من حسن صنعتكم ثم إن الأمير موسى قال للناس من يطلع منكم على هذا السلم ويصعد فوق السور ويمشي عليه ويتحايل في نزوله إلى أسفل المدينة لينظر كيف الأمر ثم يخبرنا بكيفية فتح الباب، فقال أحدهم أنا أصعد عليه أيها الأمير وأنزل أفتحه فقال له الأمير موسى اصعد بارك الله فيك فصعد الرجل على السلم حتى صار في أعلاه ثم قام على قدميه وشخص إلى المدينة وصفق بكفيه وصاح بأعلى صوته وقال أنت مليح، ورمى بنفسه من داخل المدينة فانهرس لحمه على عظمه.

فقال الأمير موسى هذا فعل العاقل فكيف يكون فعل المجنون، إن كنا نفعل هذا بجميع أصحابنا لم يبق منهم أحد فنعجز عن قضاء حاجتنا وحاجة أمير المؤمنين ارحلوا فلا حاجة لنا بهذه فقال بعضهم لعل غير هذا أثبت منه فصعد ثان وثالث ورابع وخامس فما زالوا يصعدون من ذلك السلم إلى السور واحداً بعد واحد إلى أن راح منهم اثني عشر رجلاً وهم يفعلون كما فعل الأول.

فقال اليخ عبد الصمد ما لهذا الأمر غيري وليس المجرب كغير المجرب، فقال له الأمير موسى لا تفعل ذلك ولا أمكنك من الطلوع إلى هذا السور لأنك إذا مت كنت سبباً لموتنا كلنا ولا يبقى منا أحد لأنك أنت دليل القوم فقال له الشيخ عبد الصمد لعل ذلك يكون على يدي بمشيئة الله تعالى فاتفق القوم كلهم على صعوده.

ثم إن الشيخ عبد الصمد قام ونشط نفسه وقال بسم الله الرحمن الرحيم ثم إنه صعد على السمل وهو يذكر الله تعالى ويقرأ آيات النجاة، إلى أن بلغ أعلى السور ثم إنه صفق بيديه وشخص ببصره فصاح عليه القوم جميعاً وقالوا أيها الشيخ عبد الصمد لا تفعل ولا تلق نفسك وقالوا إنا لله وإنا إليه راجعون إن وقع الشيخ عبد الصمد هلكنا بأجمعنا، ثم إن الشيخ عبد الصمد ضحك ضحكاً زائداً وجلس ساعة طويلة يذكر الله تعالى ويتلو آيات النجاة، ثم إنه قام على حيله ونادى بأعلى صوته أيها الأمير لا بأس عليكم، فقد صرف الله عز وجل عني كيد الشيطان ومكره ببركة بسم الله الرحمن الرحيم، فقال له الأمير ما رأيت أيها الشيخ قال لما وصلت أعلى السور رأيت عشر جوار كأنهن الأقمار وهن يناديني.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السبعون بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الشيخ عبد الصمد قال لما وصلت أعلى السور رأيت عشر جوار كأنهن الأقمار، وهن يشرن بأيديهن أن تعال إلينا وتخيل لي أن تحتي بحراً من الماء فأردت أن ألقي نفسي كما فعل أصحابنا، فرأيتهم موتى فتماسكت عنهم وتلوت شيئاً من كتاب الله تعالى، فصرف الله عني كيدهن وانصرفن عني فلم أرم نفسي ورد الله عني كيدهن وسحرهن ولاشك إن هذا سحر مكية صنعها أهل تلك المدينة ليردوا عنها كل من أراد أن شرف عليها ويروم الوصول إليها وهؤلاء أصحابنا مطروحون موتى، ثم إنه مشى على السور إلى أن وصل إلى البرجين النحاسيين فرأى لهما بابين من الذهب ولا قفل عليهما وليس فيهما علامة للفتح، ثم وقف الشيخ أمام الباب وتأمل فرأى في وسط الباب صورة فارس من نحاس له كف ممدود كأنه يشير به وفيه خط مكتوب فقرأه الشيخ عبد الصمد، فإذا فيه افرك المسمار الذي في سرة الفارس اثني عشر فركة فإن الباب ينفتح فتأمل الفارس فإذا في سرته مسمار محكم متقن مكين ففركه اثني عشر فركة فانفتح الباب في الحال وله صوت كالرعد فدخل منه الشيخ عبد الصمد وكان رجلاً فاضلاً عالماً بجميع اللغات والأقلام، فمشى إلى أن دخل دهليزاً طويلاً نزل منه على درجات فوجده بدكك حسنة وعليها أقوام موتى وفوق رؤوسهم التروس المكلفة والحسامات المرهفة والقسى الموترة والسهام المفوقة وخلف الباب عامود من حديد ومتاريس من خشب وأقفال رقيقة وآلات محكمة.

فقال الشيخ عبد الصمد في نفسه لعل المفاتحي عند هؤلاء القوم، ثم نظر بعينه، وإذا هو بشيخ يظهر أنه أكبرهم سناً وهو على دكة عالية بين القوم الموتى فقال الشيخ عبد الصمد وما يدريك أن تكون مفاتيح هذه المدينة مع هذا الشيخ ولعله بواب المدينة وهؤلاء من تحت يده، فدنا منه ورفع ثيابه وإذا بالمفاتيح معلقة في وسطه.

فلما رآها الشيخ عبد الصمد فرح فرحاً شديدأً وكاد عقله أن يطير من الفرحة، ثم إن الشيخ عبد الصمد أخذ المفاتيح ودنا من الباب وفتح الأقفال وجذب الباب والمتاريس والآلات فانفتحت وانفتح الباب بصوت كالرعد لكبره وهوله وعظم آلاته فعند ذلك كبر الشيخ وكبر القوم معه واستبشروا وفرحوا وفرح الأمير بسلامة الشيخ عبد الصمد وفتح باب المدينة وقد شكره القوم على ما فعله فبادر العسكر كلهم بالدخول من باب فصاح عليهم الأمير موسى وقال لهم يا قوم لا نأمن إذا دخلنا كلنا من أمر يحدث ولكن يدخل النصف ويتأخر النصف.
ثم إن الأمير موسى دخل من الباب ومعه نصف القوم وهم حاملون آلات الحرب فنظر القوم إلى أصحابهم وهم ميتون فدفنوهم ورأوا البوابين والخدم والحجاب والنواب راقدين فوق الفراش الحرير موتى كلهم ودخلوا إلى سوق المدينة فنظروا سوقاً عظيمة عالية الأبنية لا يخرج بعضها عن بعض والدكاكين مفتحة والموازين معلقة والنحاس مصفوفاً والخانات ملآنة من جميع البضائع ورأوا التجار موتى على دكاكينهم وقد يبست منهم الجلود ونخرت منهم العظام وصاروا عبرة لمن اعتبر.

ونظروا إلى أربعة أسواق مستقلات كالهشيم مملوءة بالمال فتركوها ومضوا إلى سوق الخز، وإذا فيه من الحرير والديباج ما هو منسوج بالذهب الأحمر والفضة البيضاء على اختلاف الألوان وأصحابه موتى رقود على انطاع الأديم يكادون أن ينطقوا فتركوهم ومضوا إلى سوق الجواهر واللؤلؤ والياقوت فتركوه ومضوا إلى سوق الصيارفة، فوجدوهم موتى وتحتهم أنواع الحرير والابريسم ودكاكينهم مملوءة من الذهب والفضة، فتركوهم ومضوا إلى سوق العطارين فإذا دكاكينهم مملوءة بأنواع العطريات ونوافح المسك والعنبر العود والكافور وغير ذلك وأهلها كلهم موتى وليس عندهم شيء من المأكول.

فلما طلعوا من سوق العطارين وجدوا قريباً منه قصراً مزخرفاً متقناً، فدخلوه فوجدوا أعلاماً منشورة وسيوفاً مجردة وقسياً موترة وترساً معلقة بسلاسل من الذهب والفضة وخوذاً مطلية بالذهب الأحمر، وفي دهاليز ذلك القصر دكك من العاج المصفح بالذهب الوهاج الابريسم، وعليها رجال قد يبست منهم الجلود على العظام يحتسبهم الجاهل قياماً ولكنهم من عدم القوت ماتوا وذاقوا الحمام، فعند ذلك وقف الأمير موسى يسبح الله تعالى ويقدسه وينظر إلى حسن ذلك القصر ومحكم بنائه وعجيب صنعه بأحسن صفة وأتقن هندسة وأكثر نقشة باللازورد الأخضر مكتوب على دائرة هذه الأبيات:

انظر إلى ما ترى يا أيها الـرجـل وكن على حذر من قبل ترتـحـل

وقدم الزاد من خـير تـفـوز بـه فكل ساكن داراً سـوف يرتـحـل

وانظر إلى معشر زانوا منازلـهـم فأصبحوا في الثرى رهناً بما عملوا

بنوا فما نفع الـبـنـيان وادخـروا لم ينجهم مالهم لما انقضى الأجـل

كم أملوا غير مقدور لهم فمـضـوا إلى القبور ولم ينفعـهـم الأمـل

واستنزلوا من أعالي عز رتبتـهـم لذل ضيق لحد ساء مـا نـزلـوا

فجاءهم صارخ من بعد ما دفـنـوا أين الأسرة والتيجـان والـحـلـل

أين الوجوه التي كانت مـحـجـبة من دونها تضرب الأستار والكلـل

فأفصح القبر عنهم حسب سائلـهـم أما الخدود فعندها الورد منتـقـل

قد طال ما أكلوا يوماً وما شـربـوا فأصبحوا بعد طيب الأكل قد أكلوا

فبكى الأمير موسى حتى غشي عليه، وأمر بكتابة هذا الشعر ودخل القصر.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الواحدة والسبعون بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الأمير موسى دخل القصر فرأى حجرة كبيرة وأربع مجالس عالية كباراً متقابلة واسعة منقوشة بالذهب والفضة مختلفة وفي وسطها فسقية كبيرة من المرمر وعليها خيمة من الديباج وفي تلك المجالس جهات، وفي تلك الجهات فساقي مزخرفة وحيضان مرخمة ومجار تجري من تحت تلك المجالس، وتلك الأنهر الأربعة تجري وتجتمع في بحيرة عظيمة مرخمة باختلاف الألوان.

ثم قال الأمير موسى للشيخ عبد الصمد ادخل بنا هذه المجالس، فدخلوا المجلس الأول، فوجدوه مملوءاً من الذهب والفضة البيضاء واللؤلؤ والجواهر واليواقيت والمعادن النفيسة ووجدوا فيها صناديق مملوءة من الديباج الأحمر والأصفر والأبيض، ثم إنهم انتقلوا إلى المجلس الثاني ففتحوا خزانة فيه فإذا هي مملوءة بالسلاح وآلات الحرب من الخوذ المذهبة والدروع الداودية والسيوف الهندية والرماح الخطية والدبابيس الخوارزمية، وغيرها من أصناف آلات الحرب والكفاح ثم انتقلوا إلى المجلس الثالث فوجدوا فيه خزائن عليها أقفال مغلقة وفوقها ستارات منقوشة بأنواع الطراز، ففتحوا منها خزانة فوجدوها مملوءة بالآت الطعام والشراب من أصناف الذهب والفضة وسكارج البلور والأقداح المرصعة باللؤلؤ الرطب وكاسات العقيق وغير ذلك فجعلوا يأخذون ما يصلح لهم من ذلك ويحمل كل واحد من العسكر ما يقدر عليه.

فلما عزموا على الخروج من تلك المجالس رأوا هنا باباً من الصاج متداخلاً فيه العاج والأبنوس وهو مصفح بالذهب الوهاج في وسط ذلك القصر وعليه ستر مسبول من حرير منقوش بأنواع الطراز وعليه أقفال من الفضة البيضاء تفتح بالحيلة بغير مفتاح، فتقدم الشيخ عبد الصمد إلى تلك الأقفال وفتحها بمعرفته وشجاعته وبراعته فدخل القوم من دهليز مرخم، وفي جوانب ذلك الدهليز بواقع عليها صور من أصناف الوحوش والطيور وكل ذلك من ذهب أحمر وفضة بيضاء وأعينها من الدر واليواقيت تحير كل من رآها، ثم وصلوا إلى قاعة مصنوعة. فلما رآها الأمير موسى والشيخ عبد الصمد اندهشا من صنعتها، ثم إنهم عبروا فوجدوا قاعة مصنوعة من رخام مصقول منقوش بالجواهر يتوهم الناظر إليها أن في طريقها ماء جارية لو مر عليه لزلق فأمر الأمير موسى الشيخ عبد الصمد أن يطرح عليها شيء حتى يتمكنوا أن يمشوا عليها، ففعل ذلك وتحيل حتى عبروا فوجدوا فيها قبة عظيمة مبنية بحجارة مطلية بالذهب لم يشاهد القوم في جميع ما رأوه أحسن منها. وفي وسط تلك القبة قبة عظيمة من المرمر بدائرها شبابيك منقوشة مرصعة بقضبان الزمرد لا يقدر عليها أحد من الملوك، وفيها خيمة من الديباج منصوبة على أعمدة من الذهب الأحمر، وفيها طيور وأرجلها من الزمرد الأخضر، وتحت كل طير شبكة من اللؤلؤ الرطب مجللة على فسقية وموضوع على الفسقية سرير مرصع بالدر والجواهر والياقوت وعلى السرير جارية كأنها الشمس الضاحية لم ير الراؤون أحسن منها وعليها ثوب من اللؤلؤ الرطب وعلى رأسها تاج من الذهب الأحمر وعصابة من الجوهر، وفي عنقها عقد من الجوهر وفي وسطه جواهر مشرقة. وعلى جوانبها جوهرتان نورهما كنور الشمس وهي كأنها ناظرة إليهم تتأملهم.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثانية والسبعين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الأمير موسى لما رأى هذه الجارية تعجب غاية العجب من جمالها وتحير من حسنها وحمرة خديها وسواد شعرها يظن الناظر أنها بالحياة وليست ميتة، فقالوا لها السلام عليك أيتها الجارية فقال لها طالب بن سهل أصلح الله شأنك أعلم أن هذه الجارية ميتة لا روح فيها فمن أين لها أن ترد السلام ثم إن طالب بن سهل قال له أيها الأمير إنها صورة مدبرة بالحكمة وقد قلعت عيناها بعد موتها وجعل تحتها زئبق وأعيدتا إلى مكانهما فهما يلمعان كأنما يحركهما الهدب يتخيل للناظر أنها ترمش بعينيها وهي ميتة، فقال الأمير موسى سبحان الذي قهر العباد بالموت وأما السرير الذي عليه الجارية فله درج وعلى الدرج عبدان أحدهما أبيض، والآخر أسود بيد أحدهما آلة من الفولاذ، وبيد الآخر سيف مجوهر يخطف الأبصار وبين يدي العبدين لوح من ذهب وفيه كتابة تقرأ وهي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله خالق الإنسان وهو رب الأرباب ومسبب الأسباب بسم الله الباقي السرمدي بسم الله مقدر القضاء والقدر يا ابن آدم ما أجهلك بطول الأمل وما أسهاك عن حلول الأجل. أما علمت أن الموت لك قد دعا وإلى قبض روحك قد سعى فكن على أهبة الرحيل وتزود من الدنيا فستفارقها بعد قليل. أين آدم أبو البشر أين نوح وما نسل أين الملوك الأكاسرة والقياصرة أين ملوك الهند والعراق أين ملوك الآفاق أين ملوك العمالقة أين الجبابرة؟ لقد خلت منهم الديار وقد فارقوا الأهل والأوطان أين ملوك العجم والعرب لقد ماتوا بأجمعهم وصاروا رمماً أين السادة ذوو الرتب؟ لقد ماتوا جميعاً أين قارون وهامان أين شداد بن عاد بن كنعان وذووا الأوتاد قرضهم الله قارض الأعمار وخلى منهم الديار فهل قدموا ليوم الميعاد واستعدوا لجواب رب العباد يا هذا إن كنت لا تعرفني فأنا أعرفك باسمي ونسبي أنا ترمزين بنت عمالقة الملوك من الذين عدلوا في اليلاد وملكت ما لم يملكه أحد من الملوك، وعدلت في القضية وأنصفت بين الرعية وأعطيت ووهبت، وقد عشت زمناً طويلاً في سرور وعيش رغيد وأعتقت الجواري والعبيد حتى نزل بي طارق وحلت بين يدي الرزايا وذلك أنه قد تواترت علينا سبع سنين لم ينزل علينا ماء من السماء ولا نبت لنا عشب على وجه الأرض فأكلنا ما كان عندنا من القوت فلم يجدوه ثم عادوا غلينا بالمال بعد طول الغيبة فحينئذ أظهرنا أموالنا وذخائرنا وأغلقنا أبواب الحصون التي بمدينتنا وسلمنا الحكم لربنا وفوضنا أمرنا لمالكنا فمتنا جميعاً كما ترانا وتركنا ما عمرنا وما ادخرنا فهذا هو الخبر وما بعد العين إلا الأثر وقد نظروا في أسفل اللوح فرأوا مكتوباً فيه هذه الأبيات:

بنـي آدم لا يهـزأ بـك الأمــل عن كل ما ادخرت كفاك ترتحلوا

أراك ترغب في الدنيا وزينتـهـا وقد سعى قبلك الماضون والأول

قد حصلوا المال من حل ومن حرم فلم يرد القضا لما انتهى الأجـل

قادوا العساكر أفواجاً وقد جمعـوا فخلفوا المال والبنيان وارتحـلـوا

إلى قبور وضيق في الثرى رقدوا وقد أقاموا به رهناً بما عمـلـوا

كأنما الركب قد حطوا رحالهمـو في جنح ليل بدار ما بهـا نـزل

فقال صاحبها يا قوم ليس لـكـم فيها مقام فشدوا بعد ما نـزلـوا

فكلهم خائف أضحى بهـا وجـلا ولا يطيب له حل ومـرتـحـل

فقدم الزاد من خير تسـير غـدا وليس إلا بتقوى ربك العـمـل

فبكى الأمير موسى لما سمع هذا الكلام وقال والله إن التقوى هي رأس الأمور والتحقيق والركن الوثيق وإن الموت هو الحق المبين، والوعد اليقين فراع فيه يا هذا المرجع والمآب واعتبر بمن سلف قبلك في التراب وبادر إلى سبيل الميعاد، أما ترى الشيب إلى القبر دعاك وبياض شعرك على نفسك قد نعاك فكن على يقظة الرحيل والحساب، يا ابن آدم ما أقسى قلبك فما غرك بربك أين الأمراء السالفة العبرة لمن يعتبر، أين ملوك الصين أهل البأس والتمكين، أين عاد بن شداد وما بنى وعمر ابن النموردو الذي طغى وتجبر، أين فرعون الذي جحد وكفر كلهم قد قهرهم الموت على الاثر، فما بقي صغيراً ولا كبيراً ولا أنثى ولا ذكر قرضهم قارض الأعمار ومكور الليل على النهار اعلم أيها الواصل إلى هذا المكان ممن رآنا أنه لا يغتر بشيء من الدنيا وحطامها، فإنها غدارة مكارة ودار بور وغرو، فطوبى لعبد ذكر ذنبه وخشي ربه وأحسن المعاملة وقدم الزاد ليوم المعاد فمن وصل إلى مدينتنا ودخلها وسهل الله عليه دخولها فيأخذ من المال ما يقدر عليه ولا يمس من فوق جسدي شيئاً فإنه ستر لعورتي وجهازي من الدنيا فليتق الله ولا يسلب منه شيئاً فيهلك نفسه، وقد جعلت ذلك نصيحة مني إليه وأمانة مني لديه والسلام، فأسأل الله أن يكفيكم شر البلايا والسقام.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثالثة والسبعين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الأمير موسى لما سمع هذا الكلام بكى بكاء شديداً حتى غشي عليه فلما أفاق كتب جميع ما رآه واعتبر بما شاهده ثم قال لأصحابه ائتوا بالأعدال واملوها من هذه الأموال وهذه الأواني والتحف والجواهر فقال طالب بن سهل للأمير موسى أيها الأمير اترك هذه الجارية بما عليها وهو شيء لا نظير له ولا يوجد في وقت مثله أوفى ما أخذت من الأموال وأحسن هدية تتقرب إلى أمير المؤمنين، فقال الأمير موسى يا هذا ألم تسمع ما أوصت به الجارية في هذا اللوح لاسيما وقد جعلته أمانة وما نحن من أهل الخيانة فقال الوزير طالب وهل لأجل هذه الكلمات تترك الأموال وهذه الجواهر وهي ميتة فماذا ستصنع بهذا وهو زين الدنيا وجمال الأحياء ويكفي ثوب من القطن نستر به هذه الجارية فهي أحق به منها يا من السلم وصعد على الدرج حتى صار بين العمودين ووصل بين الشخصين وإذا بأحد الشخصين ضربه في ظهره والآخر بالسيف الذي في يده ورمى رأسه ووقع ميتاً فقال الأمير موسى لا رحم الله لك مضجعاً لقد كان هذه الأموال ما فيه كفاية والطمع لاشك يزري بصاحبه ثم أمر بدخول العساكر فدخلوا وحملوا الجمال من تلك الأموال والمعادن ثم إن الأمير موسى أمرهم أن يغلقوا الباب كما كان ثم ساروا على الساحل حتى أشرفوا على جبل عال مشرف على البحر وفيه مغارات كثيرة وإذا فيها قوم من السود وعليهم نطوح وعلى رؤوسهم برانس من نطوح لا يعرف كلامهم، فلما رأوا العسكر جفلوا منهم وولوا هاربين إلى تلك المغارات ونساؤهم وأولادهم على أبواب المغارات.

فقالالأمير موسى يا شيخ عبد الصمد ما هؤلاء القوم فقال هؤلاء طلبة أمير المؤمنين فنزلوا وضربت الخيام وحطت الأموال فما استقر بهم المكان حتى نزل ملك السودان من الجبل ودنا من العسكر وكان يعرف العربية فلما وصل إلى الأمير موسى سلم عليه فرد عليه السلام وأكرمه فقال ملك السودان للأمير موسى أنتم من الإنس أم من الجن فقال الأمير موسى أما نحن فمن الإنس، وأما أنتم فلا شك أنكم من الجن لانفرادكم في هذا الجبل المنفرد عن الخلق ولعظم خلقكم.

فقال ملك السودان بل نحن قوم آدميون من أولاد حام بن نوح عليه السلام وأما هذا البحر فإنه يعرف بالكركر فقال له الأمير موسى ومن أين لكم علم ولم يبلغكم نبي أو وحي إليه في مثل هذه الأرض فقال اعلم أيها الأمير أنه يظهر لنا من هذا البحر شخص له نور تضيء له الآفاق فينادي بصوت يسمعه البعيد والقريب يا أولاد حام استحيوا ممن يرى ولا يرى وقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأنا أبو العباس الخضر، وكنا قبل ذلك نعبد بعضنا فدعانا إلى عبادة رب العباد ثم قال للأمير موسى وقد علمنا كلمات نقولها فقال الأمير موسى وما هذه الكلمات قال هي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير وما نتقرب إلى الله عو وجل إلا بهذه الكلمات ولا نعرف غيرها وكل ليلة جمعة نرى نوراً على وجه الأرض ونسمع صوتاً يقول سبوح قدوس رب الملائكة والروح ماشاء الله كان وما لم يشأ لم يكن كل نعمة فضل الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

فقال له الأمير موسى نحن أصحاب ملك الإسلام عبد الملك بن مروان وقد جئنا بسبب القماقم النحاس التي عندكم في بحركم وفيها الشياطين محبوسة من عهد سليمان عليهما السلام، وقد أمر أن نأتيه بشيء منها يبصره ويتفرج عليه.

فقال له ملك السودان حباً وكرامة ثم أضافهم بلحوم السمك وأمر الغواصين أن يخرجوا من البحر شيئاً من القماقم السليمانية فأخرجوا لهم اثني عشر قمقماً ففرح الأمير موسى بها والشيخ عبد الصمد والعساكر لأجل قضاء حاجة أمير المؤمنين، ثم إن الأمير موسى وهب لملك السودان مواهب كثيرة وأعطاه عطايا جزيلة، وكذلك ملك السودان أهدى إلى الأمير موسى هدية من عجائب البحر على صفة الآدميين وقال له إن ضيافتكم في هذه ثلاثة أيام من لحوم هذا السمك.

فقال الأمير موسى لابد أن نحمل معنا شيئاً حتى ينظر إليه أمير المؤمنين فيطمئن خاطره بذلك أكثر من القماقم السليمانية، ثم ودعوه وساروا حتى وصلوا إلى بلاد الشام، فدخلوا على أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان فحدثه الأمير بجميع ما رآه وما وقع له من الأشعار والأخبار والمواعظ، وأخبره بخبر طالب بن سهل.

فقال له أمير المؤمنين ليتني كنت معكم حتى أعاين ما عاينتم، ثم أخذ القماقم وجعل يفتح قمقماً بعد قمقم، والشياطين يخرجون منها ويقولون التوبة يا نبي الله وما نعود لمثل ذلك أبداً فتعجب عبد الملك بن مروان من ذلك، وأما بنات البحر اللواتي أهداها لهم ملك السودان، فإنهم صنعوا لها حيضاناً من خشب وملأوها ماء ووضعوها فيها فماتت من شدة الحر، ثم إن أمير المؤمنين أحضر الأموال وقسمها بين المسلمين.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الرابعة والسبعين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان لما رأى القماقم وما فيها، تعجب من ذلك غاية العجب وأمر بإحضار الأموال وقسمها بين المسلمين وقال لم يعط الله أحداً مثل ما أعطى سليمان بن داود عليهم السلام، ثم إن الأمير موسى يسأل أمير المؤمنين، أن يستخلف ولده مكانه على بلاده وهو يتوجه إلى القدس الشريف يعبد الله فيه فولى أمير المؤمنين ولده وتوجه إلى القدس الشريف ومات فيه وهذا آخر ما انتهى إلينا من حديث مدينة النحاس على التمام والله أعلم.
النساء وأن كيدهن عظيم وقد بلغنا أيضاً أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان ملك من ملوك الزمان كان كثير الجند والأعوان وصاحب جاه وأموال ولكنه بلغ من العمر مدة ولم يرزق ولداً ذكراً فلما فلق الملك توسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى وسأله بجاه الأنبياء والأولياء والشهداء من عباده المقربين أن يرزقه بولد ذكر حتى يرث الملك من بعده ويكون قرة عينه ثم قام من وقته وساعته ودخل قاعة جلوسه وأرسل إلى زوجته فواقعها، فحملت بإذن الله تعالى ومكثت مدة حتى آن أوان وضعها، فولدت ولداً ذكراً وجهه مثل دورة القمر ليلة أربعة عشر فتربى ذلك الغلام إلى أن بلغ من العمر خمس سنين وكان عند ذلك الملك رجل حكيم من الحكماء الماهرين يسمى السندباد فسلم إليه ذلك الغلام فلما بلغ من العمر عشر سنين، علمه الحكمة والأدب إلى أن صار ذلك الولد ليس أحد في هذا الزمان يناظره في العلم والأدب والفهم. فلما بلغ والده ذلك أحضر له جماعة من فرسان العرب يعلمونه الفروسية فمهر فيها وصال وجال في حومة الميدان إلى أن فاق أهل زمانه وسائر اقرانه ففي بعض الأيام نظر ذلك الحكيم في النجوم فرآها طالع الغلام وأنه متى عاش سبعة أيام وتكلم بكلمة صار فيها هلاكه، فذهب الحكيم إلى الملك والده وأعلمه بالخبر فقال له والده فما يكون الراي والتدبير يا حكيم فقال له الحكيم أيها الملك، الرأي والتدبير عندي أن تجعله في مكان نزهة وسماع آلات مطربة يكون فيها إلى أن تمضي السبعة أيام.

فأرسل الملك إلى جارية من خواصه، وكانت أحسن الجواري فسلم إليها الولد وقال لها خذي سيدك في القصر واجعليه عندك ولا ينزل من القصر إلا بعد سبعة أيام تمضي فأخذته الجارية وأجلسته في ذلك القصر وكان في القصر أربعون حجرة وفي كل حجرة عشر جوار وكل جارية معها آلة من آلات الطرب إذا ضربت واحدة منهن ترقص من نغمتها ذلك القصر وحواليه نهر جار مزروع شاطئه بجميع الفواكه والمشمومات وكان ذلك الولد فيه من الحسن والجمال ما لا يوصف فبات ليلة واحدة فرأته الجارية محظية والده فطرق العشق قلبها فلم تتمالك أن رمت نفسها عليه.

فقال لها الولد إن شاء الله تعالى حين أخرج عند والدي أخبره بذلك فيقتلك فتوجهت الجارية إلى الملك، ورمت نفسها بالبكاء والنحيب فقال لها ما خبرك يا جارية كيف سيدك أما هو طيب، فقالت يا مولاي إن سيدي راودني عن نفسي وأراد قتلي على ذلك فمنعته وهربت منه وما بقيت أرجع إليه ولا إلى القصر أبداً.

فلما سمع والده ذلك الكلام حصل له غيظ عظيم فأحضر عنده الوزراء وأمرهم بقتله فقالوا لبعضهم إن الملك صمم على قتل ولده وإن قتله يندم عليه بعد قتله لا محالة فإنه عزيز عنده وما جاء هذا الولد إلا بعد اليأس، ثم بعد ذلك يرجع عليكم باللوم فيقول لكم تدبروا لي تدبيراً يمنعني من قتله، فاتفق رأيهم على أن يدبروا له تدبيراً يمنعه عن قتل ولده.

فتقدم الوزير الأول وقال أنا أكفيكم شر الملك في هذا اليوم فقام ومضى إلى أن دخل على الملك وتمثل بين يديه ثم استأذنه في الكلام فأذن له فقال له أيها الملك لو قدر أنه كان لك ألف ولد لم تسمح نفسك في أن تقتل واداً منهم بقول جارية فإنها إما أن تكون صادقة أو كاذبة، ولعل هذه مكيدة منها لولدك فقال وهل بلغك شيء من كيدهن أيها الوزير؟ قال نعم بلغني أيها الملك أنه كان ملك من ملوك الزمان مغرماً بحب النساء، فبينما هو قاعد في قصره يوماً من الأيام إذ وقعت عينه على جارية وهي على سطح بيتها وكانت ذات حسن وجمال، فلما رآها لم يتمالك نفسه من المبحة فسأل عن ذلك البيت فقالوا له هذا البيت لوزيرك فلان فقام من ساعته وأرسل إلى الوزير فلما حضر بين يديه أمره أن يسافر في بعض جهات المملكة ليطلع عليها ثم يعنود، فسافر الوزير كما أمره الملك.

فلما رأته الجارية عرفته فوثبت على قدميها وقبلت يديه ورجليه فرحبت به ووقفت بعيداً عنه مشتغلة بخدمته، ثم قالت يا مولانا ما سبب القدوم المبارك ومثلي لا يكون له ذلك، فقال سببه أن عشقك والشوق إليك قد أرماني على ذلك، فقبلت الأرض بين يديه ثانياً وثالثاً وقالت له يا مولاي أنا لا أصلح أن أكون جارية لبعض خدام الملك فمن أين يكون لي عندك هذا الحظ حتى صرت عندك بهذه المنزلة فمد الملك يده إليها فقالت هذا الأمر لا يفوتنا ولكن صبراً أيها الملك وأقم عندي هذا اليوم كله حتى أصنع لك شيئاً تأكله قال فجلس الملك على مرتبة وزيره ثم نهضت قائمة وأتته بكتاب فيه من المواعظ والأدب ليقرأ فيه حتى تجهز له الطعام فأخذه الملك وجعل يقرأ فيه فوجد فيه من المواعظ والحكم، وما زجره عن الزنا وكسر همته عن ارتكاب المعاصي.

فلما جهزت له الطعام قدمته بين يديه وكانت عنده الصحون تسعين صحناً فجعل الملك يأكل من كل صحن ملعقة، والطعام أنواع مختلفة وطعمها واحد فتعجب الملك من ذلك غاية العجب، ثم قال أيتها الجارية أرى هذه الأنواع كثيرة وطعمها واحد، فقالت له الجارية أسعد الله الملك هذا مثل ضربته لك لتعتبر به فقال لها وما سببه فقالت أصلح الله حال مولانا الملك إن في قصرك تسعين محظية مختلفات الألوان وطعمهن واحد. فلما سمع الملك هذا الكلام خجل منها وقام من وقته وخرج من المنزل ولم يتعرض لها بسوء ومن خجله نسي خاتمه عندها تحت الوسادة، ثم توجه إلى قصره فلما جلس الملك في قصره حضر الوزير في ذلك الوقت وتقدم إلى الملك وقبل الأرض بين يديه وأعلمه بحال ما أرسله إليه، ثم سار الوزير إلى أن دخل بيته وقعد على مرتبته ومد يده تحت الوسادة فلقي خاتم الملك تحتها فرفعه الوزير وحمله على قلبه وانعزل عن الجارية مدة سنة كاملة ولم يكلمها وهي لا تعلم ما سبب غيظه.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الخامسة والسبعين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الوزير انعزل عن الجارية مدة سنة كاملة ولم يكلمها وهي لا تعلم ما سبب غيظه، فلما طال بها المطال ولم تعلم ما سبب ذلك أرسلت إلى أبيها وأعلمته بما جرى لها معه من انعزاله عنها مدة سنة كاملة فقال لها أبوها إني أشكوه حين تكون بحضرة الملك فدخل يوماً من الأيام فوجده بحضرة الملك وبين يديه قاضي العسكر، فادعى عليه فقال أصلح الله تعالى حال الملك إنه كان لي روضة حسنة غرزتها بيدي، وأنفقت عليها مالي حتى أثمرت وطاب جناها فأهديتها لوزيرك هذا فأكل منها ما طاب له ثم رفضها ولم يسقها فيبس زهرها، وذهب رونقها وتغيرت حالتها فقال الوزير أيها الملك صدق هذا في مقالته إني كنت أحفظها وآكل منها فذهبت يوماً إليها فرايت أثر السد هناك فخفت على نفسي فعزلت نفسي عنها ففهم الملك أن الأثر الذي وجده الوزير هو خاتم الملك الذي نسيه في البيت.

فقال الملك عند ذلك لوزيره ارجع أيها الوزير لروضتك وأنت آمن مطمئن فإن الأسد لم يقربها وقد بلغني أنه وصل إليها ولكن لم يتعرض لها بسوء وحرمة آبائي وأجدادي فقال الوزير عند ذلك سمعاً وطاعة ثم إن الوزير رجع إلى بيته وأرسل إلى زوجته وصالحها ووثق بصيانتها وبلغني أيها الملك أيضاً أن تاجراً كان كثير الأسفار وكانت له زوجة جميلة يحبها ويغار عليها من كثرة المحبة فاشترى لها درة فكانت الدرة تعلم سيدها بما يجري في غيبته.

فلما كان في بعض أسفاره تعلقت امرأة التاجر بغلام كان يدخل عليها فتكرمه وتواصله مدة غياب زوجها، فلما قدم زوجها من سفره وأعلمته الدرة بما جرى وقالت له يا سيدي غلام تركي كان يدخل على زوجتك في غيابك فتكرمه غاية الإكرام فهم الرجل بقتل زوجته.

فلما سمعت ذلك قالت له يا رجل اتق الله وارجع إلى عقلك هل يكون لطير عقل أو فهم وإن أردت أن أبين لك ذلك لتعرف كذبها من صدقها فامض هذه الليلة ونم عند بعض أصدقائك، فإذا أصبحت فتعال واسألها حتى تعلم هل تصدق هي فيما تقول أو تكذب، فقام الرجل وذهب إلى بعض أصدقائه فبات عنده.

فلما كان الليل عمدت زوجة الرجل إلى قطعة نطع غطت به قفص الدرة وجعلت ترش على ذلك النطع شيئاً من الماء وتروح عليه بمروحة وتقرب إليها السراج على صورة لمعان البرق وصارت تدير الرحى إلى أن أصبح الصباح.

فلما جاء زوجها قالت له يا مولاي اسأل الدرة، فجاء زوجها إلى الدرة يحدثها ويسألها عن ليلتها الماضية، فقالت له الدرة يا سيدي ومن كان ينظر أو يسمع في تلك الليلة الماضية فقال لها لأي شيء فقالت يا سيدي من كثرة المطر والريح والرعد والبرق فقال لها كذبت إن الليلة التي مضت ما كان فيها شيء من ذلك، فقالت الدرة ما أخبرتك إلا بما عاينت وشاهدت وسمعت فكذبها في جميع ما قالته عن زوجته وأراد أن يصالح زوجته فقالت والله ما اصطلح حتى تذبح هذه الدرة التي كذبت علي فقام الرجل إلى الدرة وذبحها ثم أقام بعد ذلك مع زوجته مدة أيام قلائل ثم رأى في بعض الأيام ذلك الغلام التركي وهو خارج من بيته فعلم صدق قول الدرة وكذب زوجته، فندم على ذبح الدرة ودخل من وقته وساعته على زوجته وذبحها وأقسم على نفسه أنه لا يتزوج بعدها امرأة مدة حياته وما أعلمتك أيها الملك إلا لتعلم أن كيدهن عظيم والعجلة تورث الندامة فرجع الملك عن قتل ولده.

فلما كان في اليوم الثاني دخلت عليه الجارية وقبلت الأرض بين يديه وقالت له أيها الملك كيف أهملت حقي وقد سمع الملوك عنك أنك أمرت بأمر ثم نقضه وزيرك وطاعة الملك من نفاذ أمره وكل واحد يعلم عدلك وإنصافك فانصفني من ولدك.

فقد بلغني أن رجلاً قصاراً يخرج كل يوم إلى شاطئ الدجلة يقصر القماش ويخرج معه ولده فينزل النهر ليعوم فيه مدة إقامته ولم ينهه والده عن ذلك فبينما هو يعوم يوماً من الأيام غذ تعبت سواعده فغرق، فلما نظر إليه أبوه وثب عليه وترامى إليه، فلما أمسكه أبوه تعلق به ذلك الولد فغرق الأب والابن جميعاً فكذلك أنت أيها الملك إذا لم تنه ولدك وتأخذ حقي منه أخاف عليك أن تغرق كل منكما.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السادسة والسبعين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية لما حكت للملك حكاية القصار وولده وقالت أخاف أن تغرق أنت وولدك أيضاً قالت وكذلك بلغني من كيد الرجال أن رجلاً عشق امرأة كانت ذات حسن وجمال وكان لها زوج وكانت تلك المرأة صالحة عفيفة، ولم يجد الرجل العاشق إليها سبيلاً فطال عليه الحال ففكر في الحيلة، وكان لزوج المرأة غلام رباه في بيته وذلك الغلام أمين عنده، فجاء إليه ذلك العاشق وما زال يلاطفه بالهدية والإحسان إلى أن صار الغلام طوعاً له فيما يطلبه منه، فقال له يوماً من الأيام يا فلان أما تدخل بي منزلكم إذا خرجت سيدتك منه فقال له نعم.

فلما خرجت سيدته إلى الحمام وخرج سيده إلى الدكان جاء الغلام إلى صاحبه وأخذ بيده إلى أن أدخله المنزل، ثم عرض عليه جميع ما في المنزل وكان العاشق مصمماً على مكيدة يكيد بها المرأة، فأخذ بياض بيضه معه في إناء ودنا من فراش الرجل وسكبه على الفراش من غير أن ينظر إليه الغلام ثم خرج من المنزل ومضى إلى حال سبيله، ثم بعد ساعة دخل الرجل فأتى الفراش ليستريح عليه فوجد فيه بللاً فأخذه بيده، فلما رآه ظن في عقله أنه مني رجل فنظر إلى الغلام بعين الغضب ثم قال له أين سيدتك فقال له ذهبت إلى الحمام وتعود في هذه الساعة فتحقق ظنه وغلب على عقله أنه مني رجل، فقال للغلام أخرج في هذه الساعة وأحضر سيدتك.

فلما حضرت بين يديه وثب قائماً إليها وضربها ضرباً عنيفاً ثم كتفها وأراد أن يذبحها، فصاحت على الجيران فأدركوها فقالت لهم إن هذا الرجل يريد أن يذبحني ولا أعرف لي ذنباً، فقام عليه الجيران وقالوا له ليس لك عليها سبيل إما أن تطلقها وإما أن تمسكها بمعروف فإنا نعرف عفافها وهي جارتنا مدة طويلة ولم نعلم عليها سوءاً أبداً، فقال إني رأيت في فراشي منياً كمني الرجال وما أدري سبب ذلك فقام رجل من الحاضرين وقال له أرني ذلك.

فلما رآه الرجل قال أحضر لي ناراً ووعاء فلما أحضر له ذلك أخذ البياض قلاه على النار وأكل منه الرجل وأطعم الحاضرين، فتحقق الحاضرون أنها بياض بيض فعلم الرجل أنه ظلم زوجته وأنها بريئة من ذلك، ثم دخل عليه الجيران وصالحوه هو وإياها بعد أن طلقها وبطلت حيلة ذلك الرجل فيما دبره من المكيدة لتلك المرأة وهي غافلة.

فاعلم أيها الملك أن هذا من كيد الرجال فأمر الملك بقتل ولده فتقدم الوزير الثاني وقبل الأرض بين يديه وقال له أيها الملك لا تعجل على قتل ولدك فإن أمه ما رزقته إلا بعد يأس، ونرجو أن يكون ذخيرة في ملكك وحافظاً على مالك فتصبر أيها الملك لعل له حجة يتكلم بها فإن عجلت على قتله ندمت كما ندم الرجل التاجر قال له الملك وكيف كان ذلك وما حكايته يا وزير قال بلغني أيها الملك أنه كان تاجر لطيف في مأكله ومشربه، فسافر يوماً من الأيام إلى بعض البلاد، فبينما هو يمشي في اسواقها وإذا بعجوز معها رغيفان فقال لها هل تبيعيهما فقالت له نعم فساومها بأرخص ثمن واشتراهما منها وذهب بهما منزله فأكلهما ذلك اليوم.

فلما أصبح الصباح عاد إلى ذلك المكان فوجد العجوز ومعها الرغيفان فاشتراهما أيضاً منها ولم يزل كذلك مدة عشرين يوماً، ثم غابت العجوز عنه فسأل عنها فلم يجد لها خبراً، فبينما هو ذات يوم من الأيام في بعض شوارع المدينة إذ وجدها، فوقف وسلم عليها وسألها عن سبب غيابها وانقطاع الرغيفين عنه فلما سمعت العجوز كلامه تكاسلت عن رد الجواب فأقسم عليها أن تخبره عن أمرها.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السابعة والسبعين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن التاجر لما أقسم على العجوز أن تخبره عن أمرها، فقالت له يا سيدي اسمع مني الجواب وما ذلك غلا أني كنت أخدم إنساناً وكانت به أكلة في صلبه وكان عنده طبيب يأخذ الدقيق ويلته بسمن ويجعله على الموضع الذي فيه الوجع طوال ليلته إلى أن يصبح الصباح، فأخذ ذلك الدقيق واجعله رغيفين وأبيعهما لك أو لغيرك، وقد مات ذلك الرجل فانقطع عني الرغيفين.

فلما سمع التاجر ذلك الكلام قال إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ولم يزل ذلك التاجر يتقيأ إلى أن مرض وندم ولم يفده الندم، وبلغني أيها الملك من كيد النساء أن رجلاً كان يقف بالسيف على رأس ملك من الملوك وكان لذلك الرجل جارية يهواها، فبعث إليها يوماً من الأيام علامة برسالة على العادة بينهما، فجلس الغلام عندها ولاعبها فمالت إليه وضمته إلى صدرها فطلب منها المجامعة فطاوعته.

فبينما هما كذلك وإذا بسيد الغلام قد طرق الباب، فأخذت الغلام ورمته في طابق عندها ثم فتحت الباب فدخل وسيفه بيده فجلس على فراش المرأة فأقبلت عليه تمازحه وتلاعبه وتضمه إلى صدرها وتقبله، فقام الرجل إليها وجامعها وإذا بزوجها يدق على الباب فقال لها من هذا قالت زوجي، فقال لها كيف أفعل وكيف الحيلة في ذلك، فقالت له قم سل سيفك وقف في الدهليز ثم سبني واشتمني، فإذا دخل زوجي عليك فاذهب وامضي إلى حال سبيلك ففعل ذلك.

فلما دخل زوجها رأى خازندار الملك واقفاً وسيفه مسلول بيده وهو يشتم زوجته ويهددها.

فلما رآه الخازندار استحى وأغمد سيفه وخرج من البيت، فقال الرجل لزوجته ما سبب ذلك فقالت له يا رجل ما ابرك هذه الساعة التي أتيت فيها قد أعتقت نفساً مؤمنة من القتل، وما ذاك إلا أنني كنت فوق السطح أغزل وإذا بغلام قد دخل علي مطروداً ذاهب العقل، وهو يلهث خوفاً من القتل وهذا الرجل مجرد سيفه وهو يسرع وراءه ويجد في طلبه، فوقع الغلام علي وقبل يدي ورجلي وقال يا سيدتي أعتقيني ممن يريد قتلي ظلماً، فخبأته في الطابق الذي عندنا.

فلما رأيت هذا الرجل قد دخل وسيفه مسلول، أنكرته منه حين طلبه مني فصار يشتمني ويهددني كما رأيت، والحمد لله الذي لي فإني كنت حائرة وليس عندي أحد ينقذني فقال لها زوجها نعم ما فعلت يا امرأة أجرك على الله فيجازيك بفعلك خيراً.

ثم إن زوجها ذهب إلى الطابق ونادى الغلام وقال له اطلع لا بأس عليك فطلع من الطابق وهو خائف، والرجل يقول له ارح نفسك لابأس عليك وصار يتوجع لما أصابه والغلام يدعو لذلك الرجل ثم خرجا جميعاً ولم يعلمه بما دبرته هذه المرأة.

فاعلم أيها الملك أن هذا من جملة كيد النساء، فإياك والركون إلى قولهن فرجع الملك عن قتل ولده.

فلما كان اليوم الثالث، دخلت الجارية على الملك وقبلت الأرض بين يديه وقالت له أيها الملك خذ لي حقي من ولدك، ولا تركن إلى قول وزرائك فإن وزرائك اليوم لا خير فيهم، ولا تكن كالملك الذي ركن إلى وزير السوء من وزرائه، فقال لها: وكيف كان ذلك؟ قالت: بلغني أيها الملك السعيد ذا الرأي الرشيد، أن ملكاً من الملوك كان له ولد يحبه ويكرمه غاية الإكرام ويفضله على سائر أولاده، فقال له يوماً من الأيام يا أبت إني اريد أن أذهب إلى الصيد والقنص، فأمر بتجهيزه وأمر وزيراً من وزراءه، إن يخرج معه في خدمته ويقضي له جميع مهماته في سفره فأخذ ذلك الوزير جميع ما يحتاج إليه الولد في السفر، وخرج معهما الخدم والنواب والغلمان، وتوجهوا إلى الصيد حتى وصلوا إلى أرض مخضرة ذات عشب ومرعى ومياه الصيد فيها كثيرة، فتقدم ابن الملك للوزير وعرفه بما أعجبه من التنزه، فأقاموا بتلك الرض مدة أيام وابن الملك في أطيب عيش وأرغده ثم أمرهم ابن الملك بالانصراف، فاعترضته غزالة قد انفردت عن رفقتها فاشتاقت نفسه إلى اقتناصها وطمع فيها فقال للوزير إني أريد أن أتبع هذه الغزالة، فقال له الوزير افعل ما بدا لك فتبعها الولد منفرداً وحده وطلبها طول النهار إلى المساء ودخل الليل، فصعدت الغزالة إلى محل وعر وأظلم على الولد الليل، وأراد الرجوع فلم يعرف أين يذهب فبقي محيراً في نفسه وما زال راكباً على ظهر فرسه إلى أن أصبح الصباح، ولم يلق فرجاً لنفسه ثم سار ولم يزل سائراً خائفاً جائعاً عطشاناً وهو لا يدري أين يذهب حتى انتصف عليه النهار وحميت الرمضاء، وإذا هو قد أشرف على مدينة عالية البنيان مشيدة الأركان وهي قفرة خراب ليس فيها غير البوم والغراب.
فبينما هو واقف عند تلك المدينة يتعجب من رسومها، إذ لاحت منه نظرة فرأى جارية ذات حسن وجمال، تحت جدار من جدرانها وهي تبكي، فدنا منها وقال لها من تكوني، فقالت له أنا بنت التميمة ابنة الطباخ ملك الأرض الشهباء خرجت ذات يوم من الأيام أقضي حاجة لي فاختطفني عفريت من الجن وطار بين السماء والأرض فنزل عليه شهب من نار فاحترق فسقطت ههنا ولي ثلاثة أيام بالجوع والعطش فلما نظرتك طمعت في الحياة.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثامنة والسبعين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن ابن الملك لما خاطبته بنت الطباخ وقالت له نظرتك طمعت في الحياة أدركت ابن الملك علها الرأفة فأركبها وراءه على جواده، وقال لها طيبي نفساً وقري عيناً إن ردني الله سبحانه وتعالى إلى قومي وأهلي أرسلتك إلى أهلك.

ثم سار ابن الملك يلتمس الفرج، فقالت له الجارية التي وراءه يا ابن الملك أنزلني حتى أقضي حاجة تحت هذا الحائط فوقف وأنزلها ثم انتظرها فتوارت في الحائط ثم خرجت بأشنع منظر، فلما رآها ابن الملك اقشعر بدنه وطار عقله وخاف منها وتغيرت حالته.

ثم وثبت تلك الجارية لتركب وراء ظهره على الجواد، وهي في صورة أقبح ما يكون من الصور ثم قالت له يا ابن الملك ما لي أراك قد تغير وجهك فقال لها إني تذكرت أمراً أهمني فقالت له استعن عليه بجيوش أبيك وأبطاله فقال لها إن الذي أهمني لا تزعجه الجيوش ولا يهتم بالأبطال، فقالت استعن عليه بمال أبيك وذخائره فقال لها إن الذي أهمني لا يقنع بالمال ولا بالذخائر فقالت: إنكم تزعمون أن لكم في السماء إلهاً يرى أنه قادر على كل شيء فقال لها نعم ما لنا إلا هو فقالت له ادعه لعله يخلصك مني.

فرفع ابن الملك طرفه إلى السماء وأخلص بقلبه الدعاء وقال: اللهم إني استعنت بك على هذا الأمر الذي أهمني وأشار بيده إليها فسقطت على الأرض محروقة مثل الفحمة، فحمد الله وشكره وما زال يجد في المسير والله سبحانه وتعالى يهون عليه العسير ويدله في الطرق إلى أن أشرف على بلاده ووصل إلى ملك أبيه بعد أن كان قد يئس من الحياة وكان ذلك كله برأي الوزير الذي سافر معه لأجل أن يهلكه في سفرته فنصره الله تعالى، وإنما أخبرتك أيها الملك لتعلم أن وزراء السوء لا يصفون النية ولا يحسنون الطوية مع ملوكهم فكن من ذلك الأمر على حذر.

فاقبل عليهما الملك وسمع كلامها وأمر بقتل ولده، فدخل الوزير الثالث وقال أنا أكفيكم شر الملك في هذا النهار، ثم إن الوزير دخل على الملك وقبل الأرض بين يديه وقال له أيها الملك إني ناصحك ومشفق عليك وعلى دولتك ومشير عليك برأي سديد وهو أن لا تعجل على قتل ولدك وقرة عينك وثمرة فؤادك، فربما كان ذنبه أمراً هيناً قد عظمته عندك هذه الجارية فقد بلغني أن أهل قريتين أفنوا بعضهم على قطرة عسل. فقال له الملك وكيف ذلك فقال له اعلم أيها الملك أنه بلغني أن رجلاً صياداً كان يصيد الوحوش في البرية فدخل يوماً من الأيام كهفاً من كهوف الجبل فوجد فيه حفرة ممتلئة عسل نحل فجمع شيئاً من ذلك العسل في قربة كانت معه ثم حمله على كتفه وأتى به إلى المدينة ومعه كلب صيد وكان ذلك الكلب عزيزاً عليه، فوقف الرجل الصايد على دكان زيات وعرض عليه العسل فاشتراه صاحب الدكان، ثم فتح القربة وأخرج منها العسل لينظره فقطرت القربة قطرة عسل فسقط عليها طير، وكان الزيات له قط فوثب على الطير فرآه كلب الصياد فوثب على القط فقتله، فوثب الزيات على كلب الصياد فقتله فوثب الصياد على الزيات فقتله وكان للزيات قرية وللصياد قرية، فسمعوا بذلك فأخذوا أسلحتهم وعددهم وقاموا على بعضهم بعضاً، والتقى الصفان فلم يزل السيف دائراً بينهم إلى أن مات منهم خلق كثير، لا يعلم عددهم إلا الله تعالى.

وقد بلغني أيها الملك من جملة كيد النساء أن امرأة دفع لها زوجها درهماً لتشتري به أرز، فأخذت منه الدرهم وذهبت به إلى بياع الأرز، فأعطاها الأرز وجعل يلاعبها ويغامزها ويقول لها: إن الأرز لا يطيب إلا بالسكر فإن أردتيه فادخلي عندي قدر ساعة، فدخلت المرأة عنده في الدكان، فقال بياع الأرز لعبده زن لها بدرهم سكر وأعطاه سيده رمزاً فأخذ العبد المنديل من المرأة وفرغ منه الأرز وجعل في موضعه تراباً وجعل بدل السكر حجراً وعقد المنديل وتركه عندها.

فلما خرجت المرأة من عنده، أخذت مندليها وانصرفت إلى منزلها وهي تحسب أن الذي في منديلها أرزاً وسكراً.

فلما وصلت إلى منزلها ووضعت المنديل بين يدي زوجها، وجد فيه تراباً وحجراً، فلما أحضرت القدر قال لها زوجها هل نحن قلنا لك إن عندنا عمارة حتى جئت لنا بتراب وحجر! فلما نظرت إلى ذلك علمت أن عبد البياع نصب عليها وكانت قد أتت بالقدر في يدها فقالت لزوجها يا رجل من شغل البال الذي أصابني لاجيء بالغربال فجئت بالقدر، فقال لها زوجها وأي شيء أشغل بالك؟ قالت له يا رجل إن الدرهم الذي كان معي سقط مني في السوق فاستحيت من الناس أن أدور عليه، وما هان علي أن الدرهم يروح مني فجمعت التراب من ذلك الموضع الذي فيه الدرهم وأردت أن أغربله وكنت رائحة أجيء بالغربال فجئت بالقدر.

ثم ذهبت وأحضرت الغربال وأعطته لزوجها وقالت له غربله فإن عينك أصح من عيني: فقعد الرجل يغربل في التراب إلى أن امتلأ وجهه ودقنه من المغبار وهو لا يدري مكرها وما وقع منها، فهذا أيها الملك من جملة كيد النساء وانظر إلى قول الله تعالى إن كيدهن عظيم، وقوله سبحانه وتعالى إن كيد الشيطان كان ضعيفاً.

فلما سمع الملك من كلام الوزير ما أقنعه وأرضاه وزجره عن هواه وتأمل ما تلاه عليه من آيات الله، سطعت أنوار الصحية على سماء عقله وخلده ورجع عن تصميمه على قتل ولده.

فلما دخل اليوم الرابع، دخلت الجارية على الملك وقبلت الأرض بين يديه وقالت له أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد: قد أظهرت لك حقي عياناً فظلمتني وأهملت مقاصصة غريمي ولدك ومهجة قلبك وسوف ينصرني الله سبحانه وتعالى كما نصر الله ابن الملك على وزير أبيه فقال وكيف كان ذلك فقالت له الجارية: بلغني أيها الملك أنه كان ملك من الملوك الماضية له ولد ولم يكن له من الأولاد غيره، فلما بلغ ذلك الولد زوجه بابنة ملك آخر وكانت جارية ذات حسن وجمال وكان لها ابن عم قد خطبها من أبيها ولم تكن راضية بزواجها منه.
فلما علم ابن عمها أنها تزوجت بغيره أخذته الغيرة، فاتفق رأي ابن عم الجارية أن يرسل الهدايا إلى وزير الملك الذي تزوج بها ابنه فأرسل إليه هدايا عظيمة وأنفذ إليه أموالاً كثيرة وسأله أن يحتال على قتل ابن الملك بمكيدة تكون سبباً لهلاكه أو يتلطف به حتى يرجع عن زواج الجارية، وبعث يقول له أيها الوزير لقد حصل عندي من الغيرة على ابنة عمي ما حملني على هذا الأمر فلما وصلت الهدايا إلى الوزير قبلها وأرسل إليه يقول له طب نفساً وقر عيناً فلك عندي كل ما تريده، ثم إن الملك أبا الجارية أرسل إلى ابن الملك بالحضور إلى مكانه لأجل الدخول على ابنته. فلما وصل الكتاب إلى ابن الملك أذن له أبوه في المسير وبعث معه الوزير الذي جاءت له الهدايا، وأرسل معهما ألف فارس وهدايا ومحامل وسرادقات وخياماً فسار الوزير مع ابن الملك وفي ضميره أن يكيده بمكيدة وأضمر له في قلبه السوء فلما صاروا في الصحراء تذكر الوزير أن في هذا الجبل عيناً جارية من تعرش بالزهراء وكل من شرب منها إذا كان رجلاً يصير امرأة فلما تذكر الوزير أنزل العسكر بالقرب منها وركب الوزير جواده ثم قال لابن الملك هل لك أن تروح معي نتفرج على عين ماء في هذا المكان، فركب ابن الملك وسار هو ووزير أبيه وليس معهما أحد، وابن الملك لا يدري ما سبق له في الغيب ولم يزالا سائرين حتى وصلا إلى تلك العين، فنزل ابن الملك من فوق جواده وغسل يديه وشرب منها وإذا به قد صار امرأة.

فلما عرف ذلك صرخ وبكى حتى غشي عليه فأقبل عليه الوزير يتوجع لما أصابه ويقول ما الذي أصابك فأخبره الولد بما جرى له، فلما سمع الوزير كلامه توجع له وبكى لما أصاب ابن الملك، ثم قال له يعيذك الله تعالى من هذا الأمر، كيف حلت بك هذه المصيبة، وعظمت بك تلك الرزية، ونحن سائرون بفرحة لك حيث تدخل على ابنة الملك، والآن لا أدري هل نتوجه إليها أم لا والرأي لك فما تأمر به.

فقال الولد ارجع إلى أبي وأخبره بما أصابني، فإني لا أبرح من هنا حتى يذهب عني هذا الأمر أو أموت بحسرتي، فكتب الولد كتاباً إلى أبيه يعلمه بما جرى له، ثم أخذ الوزير الكتاب وانصرف راجعاً إلى مدينة الملك، وترك العسكر والولد وما معه من الجيوش عنده وهو فرحان في الباطن بما فعل بابن الملك.

فلما دخل الوزير على الملك أعلمه بقضية ولده وأعطاه كتابه فحزن الملك على ولده حزناً شديداً، ثم أرسل إلى الحكماء وأصحاب الأسرار أن يكشفوا له عن هذا الأمر الذي حصل لولده فما أحد رد عليه جواباً، ثم إن الوزير أرسل إلى ابن عم الجارية يبشره بما حصل لابن الملك، فلما وصل إليه الكتاب فرح فرحاً شديداً وطمع في زواج ابنة عمه وأرسل إلى الوزير هدايا عظيمة وأموالاً كثيرة وشكره شكراً زائداً، وأما ابن الملك فإنه أقام على تلك العين مدة ثلاثة أيام بلياليها لا يأكل ولا يشرب، واعتمد فيما أصابه على الله سبحانه وتعالى الذي ما خاب من توكل عليه، فلما كان في الليلة الرابعة غذ هو بفارس على رأسه تاج وهو في صفة أولاد الملوك.

فقال له الفارس من أتى بك أيها الغلام إلى هنا؟ فأعلمه الولد بما أصابه وأنه كان مسافراً إلى زوجته ليدخل عليها، وأعلمه أن الوزير قد أتى به إلى عين الماء ليشرب منها فحصل له ما حصل، وكلما تحدث الغلام يغلبه البكاء فيبكي، فلما سمع الفارس كلامه رثى لحاله وقال له إن وزير أبيك هو الذي رماك في هذه المصيبة لأن هذه العين لا يعلم بها أحد من البشر إلا رجل واحد ثم إن الفارس أمره أن يركب معه فركب الولد وقال له الفارس امض معي إلى منزلي فأنت ضيفي في هذه الليلة.

فقال له الولد أعلمني من أنت حتى أسير معك، فقال له أنا ابن ملك الجن وأنت ابن ملك الإنس فطب نفساً وقر عيناً بما يزيل همك وغمك، فهو علي هين فسار معه الولد من أول النهار، وأهمل جيوشه وعساكره ومازال سائراً معه إلى نصف الليل فقال له ابن ملك الجن قطعنا مسييرة سنة للمجد المسافر فتعجب ابن الملك من ذلك وقال له كيف العمل والرجوع إلى أهلي، فقال له ليس هذا من شأنك إنما هو من شأني وحين تبرأ من علتك تعود إلى أهلك في أسرع من طرفة العين وذلك علي هين، فلما سمع الغلام من الجني هذا الكلام طار من شدة الفرح وظن أنه أضغاث أحلام وقال سبحان القدير على أن يرد الشقي سعيد وفرح بذلك فرحاً شديداً.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة التاسعة والسبعين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن ابن ملك الجن قال لابن ملك الإنس فحين تبرأ من علتك تعود إلى أهلك في أسرع من طرفة عين ففرح بذلك ولم يزالا سائرين حتى انتهيا إلى عين ماء تسيل من جبال سود، فقال للشاب انزل فنزل الشاب من فوق جواده، ثم قال له اشرب من هذه العين فشرب منها فصار لوقته وساعته ذكراً كما كان أولاً بقدرة الله تعالى، ففرح الشاب فرحاً شديداً ما عليه من مزيد ثم قال له يا أخي ما يقال لهذه العين؟ فقال له يقال لها عين النساء لا تشرب منه امرأة إلا صارت رجلاً فاحمد الله واشكره على العافية واركب جوادك فسجد ابن الملك شكراً لله تعالى، ثم ركب وسارا يجدان السير بقية يومهما حتى رجعا إلى أرض ذلك الجني، فبات الشاب عنده في أرغد عيش ولم يزالا في أكل وشرب إلى أن جاء الليلن ثم قال له ابن ملك الجن أتريد أن ترجع إلى أهلك في هذه الليلة؟ فقال نعم أريد ذلك لأني محتاج إليه، فدعا ابن ملك الجن بعبد له من عبيد أبيه اسمه راجز وقال له خذ هذا الفتى من عندي واحمله على عاتقك ولا تخل الصباح يصبح عليه إلا وهو عند صهره وزوجته فقال له العبد سمعاً وطاعة وحباً وكرامة ثم غاب العبد عنه ساعة وأقبل وهو في صورة عفريت.

فلما رآه الفتى طار عقله واندهش، فقال ابن ملك الجن لا بأس عليك اركب جوادك واعل به فوق عاتقه فقال الشاب بل اركب أنا واترك الجواد عندك ثم نزل الشاب عن الجواد وركب على عاتقه، فقال له ابن ملك الجن أغمض عينيك وطار العبد بين السماء والأرض ولم يزل طائراً به ولم يدر الشاب بنفسه فما جاء ثلث الليل الأخير إلا وهو على قصر صهره فلما نزل على قصره قال له العفريت انزل فنزل وقال افتح عينيك فهذا قصر صهرك وابنته ثم تركه ومضى، فلما أضاء النهار وسكن الشاب من روعه نزل من فوق القصر فلما نظره صهره قام إليه وتلقاه وتعجب حيث رآه فوق القصر، ثم قال له إنا رأينا الناس تأتي من الأبواب وأنت تنزل من السماء فقال له قد كان الذي أراده الله سبحانه وتعالى فتعجب الملك من ذلك وفرح بسلامته.

فلما طلعت الشمس أمر صهره وزيره أن يعمل الولائم العظيمة، فعمل الولائم واستقام العرس، ثم دخل على زوجته وأقام مدة شهرين ثم ارتحل بها إلى مدينة أبيه وأما ابن عم الجارية فإنه هلك من الغيرة والحسد لما دخل بها ابن الملك ونصره الله سبحانه وتعالى عليه وعلى وزير أبيه بزوجته على أتم حال وأكمل سرور فتلقاه أبوه بعسكره ووزرائه، وأنا أرجو الله تعالى أن ينصرك على وزرائك أيها الملك وأنا أسألك أن تأخذ حقي من ولدك، فلما سمع الملك ذلك منها أمر بقتل ولده.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثمانين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية لما حكت للملك وقالت أسألك أن تأخذ حقي من ولدك أمر بقتله، وكان ذلك في اليوم الرابع فدخل على الملك الوزير الرابع وقبل الأرض بين يديه، وقال ثبت الله الملك وأيده أيها الملك تأن في هذا الأمر الذي عزمت عليه لأن العاقل لا يعمل عملاً حتى ينظر في عاقبته وصاحب المثل يقول:

من لم ينظر في العواقب فما الدهر له بصاحـب

وبلغني أيضاً أيها الملك السعيد من كيد النساء حكاية أخرى قال له الملك وما بلغك قال له بلغني أيها الملك، أن امرأة ذات حسن وجمال وبهاء وكمال لم يكن لها نظير فنظرها بعض الشبان المغاوين فتعلق بها وأحبها محبة عظيمة وكانت تلك المرأة عفيفة عن الزنا وليس لها فيه رغبة فاتفق أن زوجها سافر يوماً من الأيام إلى بعض البلاد فصار الشاب كل يوم يرسل إليها مرات عديدة ولم تجبه فقصد الشاب عجوزاً كانت ساكنة بالقرب منه، فسلم عليها وقعد يشكو إليها ما أصابه من المحبة وما هو عليه من عشق المرأة وأخبرها أنه مراده وصالها، فقالت له العجوز أنا أضمن لك ذلك ولابأس عليك، وأنا أبلغك ما تريد إن شاء الله، فلما سمع الشاب كلامها دفع لها ديناراً ثم انصرف إلى حال سبيله. فلما أصبح الصباح دخلت العجوز على المرأة وجدت معها عهداً ومعرفة وصارت العجوز تتردد إليها في كل يوم وتتغدى وتتعشى عندها وتأخذ من عندها بعض الطعام إلى أولادها، وصارت تلك العجوز تلاعبها وتباسطها إلى أن أفسدت حالها وصارت لا تقدر على مفارقة العجوز ساعة واحدة، فاتفق في بعض الأيام أن العجوز وهي خارجة من عند المرأة كانت تأخذ خبزاً وتجعل فيه شحماً وفلفلاً وتطعمه إلى كلبة مدة أيام فجعلت الكلبة تتبعها من أجل الشفقة والحسنة فأخذت لها يوماً شيئاً كثيراً من الفلفل والشحم وأطعمته لها، فما أكلته صارت عيناها تدمع من حرارة الفلفل ثم تبعتها الكلبة وهي تبكي فتعجبت منها الصبية غاية العجب، ثم قالت للعجوز يا أمي ما سبب بكاء هذه الكلبة؟ فقالت لها يا بنتي هذه لها حكاية عجيبة فإنها كانت صبية وكانت صاحبتي ورفيقتي وكانت صاحبة حسن وجمال وبهاء وكمال وكان قد تعلق بها شاب في الحارة وزاد بها حباً وشغفاً حتى لزم الوسادة وأرسل إليها مرات عديدة لعلها ترق له وترحمه فأبت، فنصحتها وقلت لها يا بنتي أطيعيه في جميع ما قاله وارحميه واشفقي عليه فما قبلت نصيحتي.

فلما قل صبر هذا الشاب شكا لبعض أصحابه، فعملوا لها سحراً وقلبوا صورتها من صورة البشر إلى صورة الكلاب، فلما رأت ما حصل لها وما هي فيه من الأحوال وانقلاب الصورة، ولم تجد من المخلوقين من يشفق عليها غيري، جاءتني إلى منزلي وصارت تستعطف بي وتقبل يدي ورجلي وتبكي وتنتحب فعرفتها وقلت لها كثيراً ما نصحتك فلم يفدك نصحي شيئاً. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الواحدة والثمانين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن العجوز صارت تحكي للمرأة خبر الكلبة وتعرفها عن حالها بمكر وخداع لأجل موافقتها لغرض تلك العجوز وجعلت تقول لها لما جاءتني هذه الكلبة المسحورة وبكت قلت لها: كم نصحتك ولكن يا بنتي لما رايتها في هذه الحالة أشفقت عليها وأبقيتها عندي فهي على هذه الحالة وكلما تتفكر حالتها الأولى تبكي على نفسها.

فلما سمعت الصبية كلام العجوز حصل لها رعب كبير وقالت لها يا أمي والله إنك خوفتيني بهذه الحكاية فقالت لها العجوز من أي شيء تخافين فقالت لها إن شاباً مليحاً متعلقاً بحبي وأرسل إلي مرات وأنا أمتنع منه وأنا اليوم أخاف أن يحصل لي مثل ما حصل لهذه الكلبة فقالت لها العجوز احذري يا بنتي أن تخالفي فإني أخاف عليك كثيراً وإذا كنت لم تعرفي محله فأخبريني بصفته وأنا أجيء به إليك ولا تخلي قلب أحد يتغير عليك، فوصفته لها وجعلت تتغافل وتريها أنها لم تعرفه وقالت لها لما أقوم واسأل عنه.

فلما خرجت من عندها ذهبت إلى الشاب تفتش عليه فلم تقف له على خبر وقالت في نفسها كيف العمل أيروح الأكل الذي فعلته خسارة والوعد الذي وعدتني به من الدراهم ولكن لم أخل هذه الحيلة تروح بلا شيء بل أفتش لها على غيره وأجيء به إليها فبينما هي كذلك تدور في الشارع إذا نظرت شاباً حسناً جميلاً على وجهه أثر السفر، فتقدمت إليه وسلمت عليه وقالت له هل لك طعام وشراب وصبية مهيأة، فقال لها الرجل وأين هذا قالت عندي في بيتي فسار معها الرجل والعجوز وهي لا تعلم أنه زوج الصبية حتى وصلت إلى البيت ودقت الباب ففتحت لها الصبية الباب فدخلت وهي تجري لتتهيأ بالملبوس والبخور فأدخلته العجوز في قاعة الجلوس وهي في كيد عظيم. فلما دخلت المرأة عليه ووقع بصرها عليه والعجوز قاعدة عنده بادرت المرأة بالحيلة والمكيدة ودبرت لها أمر في الوقت والساعة ثم سحبت الخف من رجلها وقالت لزوجها ما هكذا العهد الذي بيني وبينك فكيف تخونني وتفعل معي هذا الفعل فإني لما سمعت بحضورك جربتك بهذه العجوز فأوقعتك فيما حذرتك منه وقد تحققت أمرك وإنك نقضت العهد الذي بيني وبينك وكنت قبل الآن أظن أنك طاهر حتى شاهدتك بعيني مع هذه العجوز وإنك تتردد على النساء الفاجرات، وصارت تضربه بالخف على رأسه وهو يتبرأ من ذلك ويحلف لها أنه ما خانها مدة عمره ولا فعل فعلاً مما اتهمته به، ولم يزل يحلف لها أيماناً بالله تعالى وهي تضربه وتبكي وتصرخ وتقول تعالوا إلي يا مسلمين فيمسك فمها بيده وهي تعضه وصار متذللاً لها ويقبل يديها ورجليها وهي لا ترضى عليه ولا تكف يدها عن صفعه، ثم إنها غمزت العجوز أن تمسك يدها عنه فجاءتها العجوز وصارت تقبل يديها ورجليها إلى أن أجلستهما.

فلما جعل الزوج يقبل يد العجوز ويقول لها جزاك الله كل خير حيث خلصتيني منها فصارت العجوز تتعجب من حيلة المرأة وكيدها، وهاذ أيها الملك من جملة مكر النساء وحيلهن وكيدهن، فلما سمعه الملك انتصح بحكايته ورجع عن قتل ولده.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثانية والثمانين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير الرابع لما حكى الحكاية للملك رجع عن قتل ولده فلما كان في اليوم الخامس دخلت الجارية على الملك بيدها قدم فيه سم واستغاثت ولطمت على خديها ووجهها وقالت له أيها الملك إما أن تنصفني وتأخذ حقي من ولدك، وإلا أشرب هذا القدح السم وأموت ويبقى ذنبي معلقاً بك إلى يوم القيامة فإن وزراءك هؤلاء ينسبونني الكيد والمكر وليس في الدنيا أمكر منهم، أما سمعت أيها الملك حديث الصائغ مع الجارية فقال ما جرى منهما يا جارية.

فقالت: بلغني أيها الملك السعيد أنه كان رجل صائغ مولعاً بالنساء وشرب الخمر فدخل يوماً من الأيام عند صديق له فنظر إلى حائط من حيطان بيته فرأى فيها صورة جارية منقوشة لم ير الراؤون أحسن ولا أجمل ولا أظرف منها فأكثر الصائغ من النظر إليها وتعجب من حسن هذه الصورة ووقع حب هذه الصورة في قلبه إلى أن مرض واشرف على الهلاك فجاءه أحد أصدقائه يزوره فلما جلس عنده سأله عن حاله وما يشكو منه.

فقال له يا أخي إن مرضي كله وجميع ما أصابني من العشق وذلك أني عشقت صورة منقوشة في حائط فلان أخي فلامه الصديق وقال له إن هذا من قلة عقلك فكيف تعشق صورة في حائط لا تضر ولا تنفع ولا تنظر ولا تسمع ولا تأخذ ولا تمنع، فقال له ما صورها المصور إلا على مثال امرأة جميلة فقال له صديقه لعل الذي صورها اخترعها من رأسه، فقال له هاأنا في حبها ميت على كل حال، وإن كان لهذه الصورة شبيه في الدنيا فأنا أرجو الله تعالى أن يمدني بالحياة إلى أن أراه.

فلما قام الحاضرون سألوا عمن صورها فوجدوه قد سافر إلى بلد من البلدان، فكتبوا له كتاباً يشكون له فيه حال صاحبهم، ويسألونه عن تلك الصورة وما سببها وهل هو اخترعها من ذهنه أو رأى لها شبيهاً في الدنيا فأرسل إليهم أني صورت هذه الصورة على شكل جارية مغنية لبعض الوزراء وهي بمدينة كشمير بإقليم الهند.

فلما سمع الصائغ بالخبر وكان ببلاد الفرس تجهز وسار متوجهاً إلى بلاد الهند فوصل إلى تلك المدينة من بعد جهد جهيد، فلما دخل تلك المدينة واستقر فيها ذهب يوماً من الأيام عند رجل عطار من أهل تلك المدينة، واستقر فيها ذهب يوماً من الأيام عند رجل عطار من أهل تلك المدينة، وكان ذلك العطار حاذقاً فطناً لبيباً فسأله الصائغ عن ملكهم وسيرته، فقال له العطار أما ملكنا فعادل حسن السيرة محسن لأهل دولته منصف لرعيته وما يكره في الدنيا إلا السحرة فإذا وقع في يده ساحراً أو ساحرة ألقاهما في جب خارج المدينة ويتركهما بالجوع إلى أن يموتا ثم سأله عن وزرائه فذكر له سيرة كل وزير وما هو عليه إلى أن أنجز الكلام إلى الجارية المغنية، فقال له عند الوزير الفلاني فصبر بعد ذلك أياماً حتى أخذ بتدبير الحيلة. فلما كان في ليلة ذات مطر ورعد وعاصفة ذهب الصائغ وأخذ معه عدة من اللصوص وتوجه إلى دار الوزير سيد الجارية وعلق فيه السلم بكلاليب ثم طلع إلى أعلى القصر، فلما وصل إليه نزل إلى ساحته فرأى جميع الجواري نائمات كل واحدة على سريرها ورأى سريراً من المرمر عليه جارية كأنها البدر إذا أشرف في ليلة أربعة عشر، فقصدها وقعد عند رأسها وكشف الستر علهيا فإذا عليها ستر من ذهب وعند رأسها شمعة وتحت رجليها شمعة، كل شمعة منهما في شمعدان من الذهب وهاتان الشمعتان من العنبر وتحت الوسادة حق من الفضة فيه جميع حليها وهو مغطى عند رأسها فأخرج سكيناً وضرب بها كفل الجارية فجرحها جرحاً واضحاً فانتبهت فزعة مرعوبة، فلما رأته خافت من الصياح، فسكتت وظنت أنه يريد أخذ المال فقالت له خذ الحق والذي فيه وليس لك بقتلي نفع وأنا في جيرتك وفي حسبك، فتناول الرجل الحق بما فيه وانصرف.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثالثة والثمانين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصائغ طلع قصر الوزير وضرب الجارية على كفلها فجرحها وأخذ الحق الذي فيه حليها وانصرف فلما أصبح الصباح لبس ثيابه وأخذ معه الحق الذي فيه الحلي ودخل به على ملك تلك المدينة ثم قبل الأرض بين يديه وقال: أيها الملك إنني رجل ناصح لك وأنا من أرض خراسان وقد أتيت مهاجراً إلى حضرتك لما شاع من حسن سيرتك وعدلك في رعيتك فأردت أن أكون تحت لوائك، وقد وصلت إلى هذه المدينة آخر النهار فوجدت الباب مغلوقاً فنمت من خارجه فبينما أنا بين النائم واليقظان إذ رأيت أربع نسوة إحداهن راكبة مكنسة والأخرى راكبة مروحة، فعلمت أيها الملك أنهن سحرة يدخلن مدينتك فدنت إحداهن مني ورفستني برجلها وضربتني بذنب ثعلب كان في يدها فأوجعتني من الضرب فضربتها بسكين كانت معي فأصابت كفلها وهي مولية شاردة، فلما جرحتها انهزمت قدامي، فوقع منها هذا الحق بما فيه فأخذته وفتحته فرأيت فيه هذا الحلي النفيس، فخذه فليس لي به حاجة لأني رجل سائح في الجبال، وقد رفضت الدنيا عن قلبي وزهدتها بما فيها وإني قاصد وجه الله تعالى، ثم ترك الحق بين يدي الملك وانصرف.

فلما خرج من عند الملك فتح الملك ذلك الحق وأخرج جميع الحلي منه وصار يقلبه بيده فوجد فيه عقداً كان أنعم به على الوزير سيد الجارية، فدعا الملك بالوزير فلما حضر بين يديه قال له هذا العقد الذي أهديته إليك، فلما رآه عرفه وقال للملك نعم وأنا أهديته إلى جارية مغنية عندي.

فقال له الملك أحضر لي تلك الجارية فأحضرها، فلما حضرت الجارية بين يدي الملك قال له اكشف عن كفلها وانظر هل فيه جرح أم لا، فكشف الوزير عنه فرأى فيه جرح سكين فقال الوزير للملك نعم يا مولاي فيها الجرح فقال الملك للوزير هذه ساحرة كما قال لي الرجل الزاهد بلا شك ولا ريب، ثم أمر الملك بأن يجعلوها في جب السحرة فأرسلوها إلى الجب في ذلك النهار.

فلما جاء الليل عرف الصائغ أن حيلته قد تمت، جاء إلى حارس الجب وبيده كيس فيه ألف دينار وجلس مع الحارس يتحدث إلى ثلث الليل الأول ثم دخل مع الحارس في الكلام وقال له اعلم يا أخي أن هذه الجارية بريئة من هذه البلية التي ذكروها وأنا الذي أوقعتها، وقص عليه القصة من أولها إلى آخرها، ثم قال له يا أخي خذ هذا الكيس فإن فيه ألف دينار وأعطني الجارية أسافر بها إلى بلادي فهذه الدنانير أنفع لك من حبس الجارية، واغتنم أجرنا ونحن الاثنان ندعو لك بالخير والسلامة.

فلما سمع حكايته تعجب غاية العجب من هذه الحيلة وكيف تمت، ثم أخذ الحارس الكيس بما فيه وتركها له وشرط عليه أن لا يقيم بها في هذه المدينة ساعة واحدة فأخذها الصائغ من وقته وسار وجعل يجد في السير إلى أن وصل إلى بلاده وقد بلغ مراده، فانظر أيها الملك إلى كيد الرجال وحيلتهم ووزراؤك يردونك عن أخذ حقي، وفي غد أوقف أنا وأنت بين يدي حاكم عادل ليأخذ حقي منك أيها الملك. فلما سمع الملك كلامها أمر بقتل ولده فدخل عليه الوزير الخامس وقبل الأرض بين يديه ثم قال أيها الملك العظيم الشأن تمهل ولا تعجل على قتل ولدك فرب عجلة أعقبت ندامة وأخاف عليك أن تندم ندامة الذي لم يضحك بقية عمره فقال له الملك وكيف ذلك أيها الوزير قال بلغني أيها الملك أنه كان رجل من ذوي البيوت والنعم وكان ذا مال وخدم وعبيد وأملاك فمات إلى رحمة الله تعالى وترك ولداً صغيراً، فلما كبر الولد أخذ في الأكل والشرب وسماع الطرب والأغاني وتكرم وأعطى وأنفق الأموال التي خلفها له أبوه حتى ذهب بالمال جميعه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الرابعة والثمانين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الولد لما أذهب المال الذي خلفه له أبوه ولم يبق منه شيء رجع على بيع العبيد والجواري والأملاك وأنفق جميع ما كان عنده من مال أبيه وغيره فافتقر حتى صار يشتغل مع الفعلة، فمكث على ذلك مدة سنة، فبينما هو جالس يوماً من الأيام تحت حائط ينتظر من يستأجره وإذا هو برجل حسن الوجه والثياب فدنا من الشاب وسلم عليه.

فقال له الولد يا عم هل أنت تعرفني قبل الآن؟ فقال له: لا أعرفك يا ولدي أصلاً بل أرى آثار النعمة عليك وأنت في هذه الحالة، فقال له يا عم نفذ القضاء والقدر فهل لك يا عم ياصبيح الوجه من حاجة تستخدمني فيها فقال له يا ولدي أريد أن أستخدمك في شيء يسير قال له الشاب وما هو يا عم فقال له عندي عشرة من الشيوخ في دار واحدة، وليس عندنا من يقضي حاجتنا، ولك عندنا من المأكل والمشرب ما يكفيك لتقوم بخدمتنا ولك عندنا ما يصل إليك من الخير والدراهم ولعل الله يرد عليك نعمتك بسببنا فقال له الشاب سمعاً وطاعة ثم قال له الشيخ: لي عليك شرط، فقال له الشاب: وما شرطك يا عم؟ فقال له: يا ولدي أن تكون كاتماً لسرنا فيما ترانا عليه وإذا رأيتنا نبكي فلا تسألنا عن سبب بكاؤنا، فقال له الشاب نعم يا عم فقال له الشيخ يا ولدي سر بنا على بركة الله تعالى فقام الشاب خلف الشيخ إلى أن أوصله إلى الحمام فأدخله فيه وأزال عن بدنه ما عليه من القشف، ثم أرسل الشيخ رجلاً فأتى له بحلة حسنة من القماش فألبسه إياها، ومضى به إلى منزله عند جماعته.

فلما دخل الشاب وجدها داراً عالية البنيان مشيدة الأركان واسعة بمجالس متقالبة وقاعات في قاعة فسقية من الماء عليها طيور تغرد وشبابيك تطل من كل جهة على بستان حسن في تلك الدار، فأدخله الشيخ في أحد المجالس فوجده منقوشاً بالرخام الملون ووجد سقفه منقوشاً باللازورد والذهب الوهاج وهو منقوش ببسط الحرير، ووجد فيه عشرة من الشيوخ قاعدين متقابلين وهم لابسون ثياب الحزن يبكون وينتحبون، فتعجب الشاب من أمرهم وهم أن يسأل الشيخ فتذكر الشرط فمنع لسانه، ثم إن الشيخ سلم إلى الشاب صندوقاً فيه ثلاثون ألف دينار وقال له يا ولدي أنفق علينا من هذا الصندوق وعلى نفسك وأنت أمين واحفظ ما استودعتك فيه.
فقال الشاب سمعاً وطاعة ولم يزل الشاب ينفق عليهم مدة أيام وليال، ثم مات واحداً منهم فأخذه أصحابه وغسلوه وكفنوه ودفنوه في روضة خلف الدار، ولم يزل الموت يأخذ منهم واحداً بعد واحد إلى أن بقي الشيخ الذي استخدم ذلك الشاب فاستمر هو والشاب في تلك الدار، وليس معهما ثالث وأقاما على ذلك مدة من السنين ثم مرض الشيخ.

فلما يئس الشاب من حياته أقبل عليه وتوجع له ثم قال له: يا عم أنا خدمتكم وما كنت أقصر في خدمتكم مرة واحدة طيلة اثني عشرة سنة، وأنا أنصح لكم وأخدمكم بجهدي وطاقتي فقال له الشيخ: نعم يا ولدي خدمتنا إلى أن توفيت هذه المشايخ إلى رحمة الله عز وجل ولا بد لنا من الموت فقال الشاب يا سيدي أنت على خطر وأريد منك أن تعلمني ما سبب بكائكم ودوام انتحابكم وحزنكم وتحمركم.

فقال له يا ولدي ما لك بذلك من حاجة ولا تكلفني ما لا أطيق، فإني سألت الله تعالى أن لا يبلي أحداً ببليتي، فإن أردت أن تسلم مما وقعنا فيه فلا تفتح ذلك الباب وأشار إليه بيده وحذره منه، وإن أردت أن يصيبك ما أصابنا فافتحه فإنك تعلم بسبب ما رأيت منا لكنك تندم حيث لا ينفعك الندم.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الخامسة والثمانين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الشيخ الذي بقي من العشرة قال للشاب إحذر أن تفتح هذا الباب فتندم حيث لا ينفعك الندم، ثم تزايدت العلة على الشيخ فمات فغسله الشاب بيده وكفنه ودفنه عند أصحابه، وقعد الشاب في ذلك الموضع وهو مختوم على ما فيه وهو مع ذلك قلق متفكر فيما كان فيه الشيوخ فبينما هو يتفكر يوماً من الأيام في كلام الشيخ ووصيته له بعد فتح الباب إذ خطر بباله أنه ينظر إليه فقام إلى تلك الجهة وفتش حتى رأى باباً لطيفاً قد عشش عليه العنكبوت وعليه أربعة أقفال من البولاد.

فلما نظره تذكر ما حذره منه الشيخ فانصرف عنه وصارت نفسه تراوده على فتح الباب وهو يمنعها مدة سبعة أيام وفي اليوم الثامن غلبت عليه نفسه وقال لابد أن أفتح الباب وأنظر أي شيء يجري علي منه فإن قضاء الله تعالى وقدره لا يرده شيء، ولا يكون أمر من الأمور إلا بإرادته فنهض وفتح الباب بعد أن كسر الأقفال، فلما فتح الباب رأى دهليزاً ضيقاً فجعل يمشي فيه مقدار ثلاث ساعات وإذا به قد خرج على شاطئ نهر عظيم فتعجب الشاب من ذلك، وصار يمشي على ذلك الشاطئ وينظر يميناً وشمالاً وإذا بعقاب كبير قد نزل من الجو فحمل ذلك الشاب في مخالبه وطار فيه بين السماء والأرض إلى أن أتى به إلى جزيرة في وسط البحر فألقاه فيها وانصرف عنه ذلك العقاب فصار الشاب متحيراً في أمره ولا يدري أين يذهب.

فبينما هو جالس يوماً من الأيام وإذا بقلع مركب قد لاح له في البحر كالنجمة في السماء فتعلق خاطر الشاب بالمركب لعل نجاته تكون فيه وصار ينظر إليه حتى وصل إلى قرية، فلما وصل رأى زورقاً من العاج والأبنوس ومجاذيفه من الصندل والعود وهو مصفح جميعه بالذهب الوهاج، وفيه عشر من الجواري الأبكار كأنهم القمار فلما نظرنه الجواري طلعن إليه من الزورق وقبلن يده وقلن أنت الملك العريس، ثم تقدمت إليه جارية وهي كالشمس الضاحية في السماء الصافية وفي يدها منديل حرير فيه خلعة ملوكية وتاج من الذهب مرصع بأنواع اليواقيت.

فتقدمت إليه وألبسته وتوجته وحملته على الأيدي إلى ذلك الزورق فوجد فيه أنواعاً من بسط الحرير الملون ثم نشرن القلوع وسرن في لجج البحر قال الشاب: فلما سرت معهم اعتقدت أن هذا منام ولا أرى أين يذهبن بي، فلما أشرفن على البر رأيت البر قد امتلأ بعساكر لا يعلم عدتهم إلا الله سبحانه وتعالى وهم متدرعون، ثم قدموا إلي خمسة من الخيل المسمومة بسروج من ذهب مرصعة بأنواع اللآلئ والفصوص الثمينة، فأخذت منها فرساً فركبته والأربعة سرات معي.

ولما ركبت انعقدت على رأسي الرايات والأعلام ودقت الطبول وضربت الكاسات ثم ترتبت العساكرميمنة وميسرة، وصرت أردد هل أنا نائم أو يقظان ولم أزل سائراً لا أصدق بما أنا فيه من الموكب، بل أظن أنه أضغاث أحلام حتى أشرفنا على مرج أخضر فيه قصور وبساتين وأشجار وأزهار وأطيار تسبح الواحد القهار فبينما هم كذلك وإذا بعسكر قد برز من بين تلك القصور والبساتين مثل السيل إذا انحدر إلى أن ملأ ذلك المرج، فلما دنوا مني وقفت تلك العساكر، وإذا بملك منهم قد تقدم بمفرده راكباً وبين يديه بعض خواصه مشاة، فلما قرب الملك من الشاب نزل عن جواده فلما رأى الملك نزل عن جواده نزل الآخر، ثم سلما على بعضهما أحسن سلام ثم ركبوا خيولهم فقال الملك للشاب سر بنا فإنك ضيفي فسار معه الشاب وهم يتحدثون والمواكب مرتبة وهي تسير بين أيديهما إلى قصر الملك، ثم نزلوا ودخلوا جميعاً..

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السادسة والثمانين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك لما أخذ الشاب سار هو وإياه بالموكب حتى دخلا القصر ويد الشاب في يد الملك، ثم أجلسه على كرسي من الذهب وجلس عنده، فلما كشف ذلك الملك اللثام عن وجهه إذا هو جارية كأنها الشمس الضاحية في السماء الصافية ذات حسن وجمال وبهاء وكمال وعجب ودلال فنظر الشاب إلى نعمة عظيمة وسعادة جسيمة وصار الشاب متعجباً من حسنها وجمالها، ثم قالت له اعلم أيها الملك أني ملكة هذه الأرض وكل هذه العساكر التي رأيتها وجميع ما رأيته من فارس أو راجل فهو من نساء ليس فيهن رجال، والرجال عندنا في هذه الأرض يحرثون ويزرعون ويحصدون ويشتغلون بعمارة الأرض وعمارة البلاد ومصالح الناس من سائر الصناعات، وأما النساء فهن الحكام وأرباب المناصب والعساكر فتعجب الشاب من ذلك غاية العجب، فبينما هم كذلك وإذا بالوزير قد دخل وإذا هي عجوز شمطاء وهي محتشمة ذات هيبة ووقار.

فقالت لها الملكة أحضري لنا القاضي والشهود، فمضت العجوز لذلك ثم عطفت على الشاب تنادمه وتؤانسه وتزيل وحشته بكلام لطيف، ثم أقبلت عليه وقالت له أترضى أن أكون لك زوجة، فقام وقبل الأرض بين يدها فمنعته فقال لها: يا سيدتي أنا أقل من الخدم الذين يخدمونك، فقالت له أما ترى جميع ما نظرته من الخدم والعساكر والمال والخزائن والذخائر فقال لها نعم فقالت له جميع ذلك بين يديك تتصرف فيه بحيث تعطي وتهب ما بدا لك ثم إنها أشارت إلى باب مغلق وقالت له ذلك تتصرف فيه إلا هذا الباب فلا تفتحه فإذا فتحته ندمت حيث لا ينفعك الندم فما استتمت كلامها إلا والوزير والقاضي والشهود معها.

فلما حضروا وكلهن عجائز ناشرات الشعر على أكتافهن وعليهن هيبة ووقار قال: فلما أحضرن بين يدي الملكة أمرتهن أن يعقدن العقد تزويج فزوجنها الشاب وعملت الولائم وجمعت العساكر، فلما أكلوا وشربوا دخل عليها ذلك الشاب فوجدها بكراً عذراء، فأزال بكارتها وأقام معها سبعة أعوام في ألذ عيش وأهنأه وأطيبه، فتذكر ذات يوم من الأيام فتح الباب وقال لو لم يكن فيه ذخائر جميلة أحسن مما رأيت ما منعتني عنه، ثم قام وفتح الباب وإذا الطائر الذي حمله من ساحل البحر وحطه في الجزيرة فلما نظره ذلك الطائر قال له لا مرحباً بوجه لا يفلح أبداً.

فلما نظره وسمع كلامه هرب منه فتبعه وخطفه وطار به بين السماء والأرض مسافة ساعة وحطه في المكان الذي خطفه منه، ثم غاب عنه فجلس مكانه ثم رجع إلى عقله وتذكر ما نظره قبل ذلك من النعمة والعز والكرامة وركوب العسكر أمامه والأمر والنهي فجعل يبكي وينتحب، ثم أقام على ساحل البحر الذي وضعه فيه ذلك الطائر مدة شهرين، وهو يتمنى أن يعود إلى زوجته، فبينما هو ذات ليلة من الليالي سهران حزين متفكر، وإذا بقائل يقول وهو يسمع صوته ولا يرى شخصه وهو ينادي ما أعظم اللذات هيهات أن يرجع إليك ما فات فأكثر الحسرات.

فلما سمعه ذلك الشاب يئس من لقاء تلك الملكة ومن رجوع النعمة التي كان فيها إليه ثم دخل الدار التي كان فيها المشايخ، وعلم أنهم قد جرى لهم مثل ما جرى له وهذا الذي كان سبب بكائهم وحزنهم فعذرهم بعد ذلك ثم إن الشاب أخذه الحزن والهم ودخل ذلك المجلس ومازال يبكي وينوح وترك المأكل والمشرب والروائح الطيبة والضحك إلى أن مات ودفنوه بجانب المشايخ فاعلم أيها الملك أن العجلة ليست محمودة، وإنما هي تورث الندامة وقد نصحتك بهذه النصيحة فلما سمع الملك ذلك الكلام اتعظ وانتصح ورجع عن قتل ولده.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السابعة والثمانين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك لما سمع حكاية الوزير رجع عن قتل ولده فلما كان في اليوم السادس دخلت الجارية على الملك وفي يدها سكين مسلولة، وقالت اعلم يا سيدي: أنك لا تقبل شكايتي وترع حقك وحرمتك فيمن تعدى علي وهم وزراؤك الذين يزعموا أن النساء صاحبات حيل ومكر وخديعة ويقصدون بذلك ضياع حقي وإهمال الملك النظر في حقي، وها أنا أحقق بين يديك أن الرجال أمكر من النساء بحكاية ابن ملك من المولك حيث خلا بزوجة تاجر فقال لها الملك وأي شيء جرى له معها؟ قالت: بلغني أيها الملك السعيد أنه كان تاجراً من التجار غيوراً، وكان عنده زوجة ذات حسن وجمال فمن كثرة خوفه وغيرته عليها لم يسكن بها في المدائن وإنما عمل لها خارج المدينة قصراً منفرداً وحده عن البنيان وقد أعلى بنيانه وشيد أركانه وحصن أبوابه وأحكم إقفاله، فإذا أراد الذهاب إلى المدينة قفل الأبواب وأخذ مفاتيحها معه وعلقها في رقبته، فبينما هو يوماً من الأيام في المدينة إذ خرج ابن ملك تلك المدينة يتنزه خارجها ويتفرج على الفضاء فنظر ذلك الخلاء وصار يتأمل فيه زماناً طويلاً لعينه ذلك القصر فنظر فيه جارية عظيمة تطل من بعض طيقان القصر، فلما نظرها صار متحير في حسنها وجمالها وأراد الوصو إليها فلم يمكنه ذلك، فدعا بغلام من غلمانه فأتاه بداوة وورقة وكتب عليها شرح حاله من المحبة وجعلها في سنان نشابة ثم رمى النشابة داخل القصر فنزلت عليها وهي تمشي في بستان فقالت لجارية من جواريها أسرعي إلى هذه الورقة وناولينيها وصارت تقرأ الخط.

فلما قرأتها وعرفت ما ذكره لها من الذي أصابه من المحبة والشوق والغرام كتبت له جواب ورقته وذكرت له أنه قد وقع عندها من المحبة أكثر مما عنده ثم أطلت عليه من طاقة القصر فرأته فألقت إليه الجواب واشتد بها الشوق فلما نظر إليها جاء تحت القصر وقال لها: ارمي من عندك خيطاً لأربط فيه هذا المفتاح حتى تأخذيه عندك فرمت له خيطاً وربط فيه المفتاح ثم انصرف إلى وزرائه فشكا إليهم محبة تلك الجارية وأنه قد عجز عن الصبر عنها، فقال له بعضهم وما التدبير الذي تأمرني له ابن الملك أريد منك رأن تجعلني في صندوق وتودعه عند هذا التاجر في قصره وتجعل أن ذلك الصندوق لك حتى أبلغ أربي من تلك الجارية مدة أيام، ثم تسترجع ذلك الصندوق فقال له الوزير حباً وكرامة.

ثم إن ابن الملك لما توجه إلى منزله جعل نفسه داخل صندوق كان عنده وأغلق الوزير عليه وأتى به إلى قصر التاجر، فلما حضر التاجر بين يدي الوزير قبل يديه، وقال له التاجر لعل لمولانا الوزير خدمة أو حاجة نفوز بقضائها فقال له الوزير أريد منك أن تجعل هذا الصندوق في أعز مان عندك فقال التاجر للحاملين احملوه فحملوه، ثم أدخله التاجر في القصر ووضعه في خزانة عنده ثم بعد ذلك خرج إلى بعض أشغاله فقامت الجارية إلى الصندوق وفتحته بالمفتاح الذي معها فخرج منه شاب مثل القمر فلما رأته لبست أحسن ملبوسها وذهبت به إلى قاعة الجلوس وقعدت معه في أكل وشرب مدة سبعة أيام وكلما يحضر زوجها تجعله في الصندوق وتقفل عليه.

فلما كان في بعض الأيام سأل الملك ولده، فخرج الوزير مسرعاً إلى بيت التاجر وطلب منه الصندوق.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثامنة والثمانين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الوزير لما حضر إلى منزل التاجر طلب الصندوق، فجاء التاجر إلى قصره على خلاف العادة وهو مستعجل فطرق الباب فأحست به الجارية، فأخذت ابن الملك وأدخلته في الصندوق وذهلت عن قفله، فلما وصل التاجر إلى المنزل هو والحاملون حملوا الصندوق من غطائه فانفتح وكان فيه ابن الملك راقداً فلما رآه التاجر وعرفه خرج إلى الوزير وقال له ادخل أنت وخذ ابن الملك فلا يستطيع أحد منا أن يمسكه فدخل الوزير وأخذه ثم انصرفوا جميعاً.

فلما انصرفوا أطلق التاجر الجارية، وأقسم على نفسه أن لا يتزوج أبداً وبلغني أيضاً أيها الملك أن رجلاً من الظرفاء دخل السوق فوجد غلاماً ينادى عليه للبيع فاشتراه وجاء به إلى منزله وقال لزوجته استوصي به فأقام الغلام مدة من الزمان فلما كان في بعض الأيام قال الرجل لزوجته أخرجي غداً إلى البستان وتفرجي وتنزهي وانشرحي، فقالت حباً وكرامة فلما سمع الغلام ذلك عمد إلى طعام وجهزه في تلك الليلة وإلى شراب ونقل وفاكهة ثم توجه إلى البستان وجعل ذلك الطعام تحت شجرة وجعل ذلك الشراب تحت شجرة والفواكه والنقل تحت شجرة في طريق زوجة سيده. فلما أصبح أمر الرجل الغلام أن يتوجه مع سيدته إلى ذلك البستان وأمر بما يحتاجون إليه من المأكل والمشرب والفواكه، ثم طلعت الجارية وركبت فرساً والغلام معها حتى وصلوا إلى ذلك البستان، فلما دخلوا نعق غراب فقال له الغلام صدقت فقالت له سيدته هل أنت تعرف ما يقول الغراب فقال لها نعم يا سيدتي قالت له فما يقول قال لها يا سيدتي يقول إن تحت هذه الشجرة طعاماً تعالوا كلوه فقالت له أراك تعرف لغات الطير فقال لها نعم فتقدمت الجارية إلى تلك الشجرة فوجدت طعاماً مجهزاً، فلما أكلوه تعجبت منه غاية العجب واعتقدت أنه يعرف لغات الطير.

فلما أكلوا ذلك الطعام تفرجوا في البستان فنعق الغراب فقال له الغلام صدقت فقالت له سيدته أي شيء يقول قال يا سيدتي يقول إن تحت الشجرة الفلانية كوز ماء ممسك وخمراً عتيقاً فذهبت هي وإياه فوجدا ذلك فتزايدت عجباً وعظم الغلام عندها فقعدت مع الغلام يشربان، فلما شربا مشيا في ناحية البستان فنعق الغراب فقال له الغلام صدقت فقالت له سيدته أي شيء يقول هذا الغراب قال يقول إن تحت الشجرة الفلانية فواكهة ونقلاً فذهبا إلى تلك الشجرة فوجدا ذلك فأكلا من تلك الفواكه والنقل، ثم مشيا في البستان فنعق الغراب، فأخذ الغلام حجراً ورماه به فقالت مالك تضربه وما الذي قاله، قال يا سيدتي إنه يقول كلاماً ما أقدر أن أقوله قالت قل ولا تستح مني أنا ما بيني وبينك شيء فصار يقول لا وهي تقول قل، ثم أقسمت عليه فقال لها إنه يقول لي افعل بسيدتك مثل ما يفعل بها زوجها، فلما سمعت كلامه ضحكت حتى استلقت على قفاها، ثم قالت له حاجتك هينة لا أقدر أن أخالفك فيها، ثم توجهت نحو شجرة من الأشجار وفرشت تحتها الفرش ونادته ليقضي لها حاجتها وإذا بسيده خلفه ينظر إليه فناداه وقال له يا غلام ما لسيدتك راقدة هناك تبكي، فقال يا سيدي وقعت من فوق شجرة فماتت وما ردها عليك الله سبحانه وتعالى فرقدت هاهنا ساعة لتستريح.

فلما رأت الجارية زوجها فوق رأسها قامت وهي متمردة تتوجع وتقول آه يا ظهري يا جنبي تعالوا إلي يا أحبائي ما بقيت أعيش، فصار زوجها مبهوتاً ثم نادى الغلام وقال له هات لسيدتك الفرس واركبها، فلما ركبت أخذ الزوج بركابها والغلام بركابها الثاني ويقول لها والله يعافيك ويشفيك وهذا أيها الملك من جملة حيل الرجال ومكرهم فلا يرد وزراؤك عن نصرتي والأخذ بحقي ثم بكيت، فلما رأى الملك بكاءها وهي عنده أعز جواريه أمر بقتل ولده فدخل عليه الوزير السادس وقبل الأرض بين يديه وقال له أعز الله تعالى الملك إني ناصحك ومشير عليك بالتمهل في أمر ولدك.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة التاسعة والثمانين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الوزير السادس قال له أيها الملك تمهل في أمر ولدك فإن الباطل كالدخان والحق مشيد الأركان ونور الحق يذهب ظلام الباطل واعلم أن مكر النساء عظيم وقد قال الله في كتابه العزيز إن كيدهن عظيم وقد بلغني حديث امرأة فعلت مع أرباب الدولة مكيدة ما سبقها بمثلها أحد قط فقال الملك وكيف كان ذلك قال الوزير بلغني أيها الملك أن امرأة من بنات التجار كان لها زوج كثير الأسفار فسافر زوجها إلى بلاد بعيدة وأطال الغيبة فزاد عليها الحال فعشقت غلاماً ظريفاً من أولاد التجار وكانت تحبه ويحبها محبة عظيمة، ففي بعض الأيام تنازع الغلام مع رجل فشكا الرجل إلى والي تلك البلد فسجنه فبلغ خبره زوجة التاجر معشوقته فطار عقلها عليه، فقامت ولبست أفخر ملبوسها ومضت إلى منزل الوالي فسلمت عليه ودفعت له ورقة تذكر فيها أن الذي سجنته وحبسته هو أخي فلان الذي تنازع مع فلان، والجماعة الذين شهدوا عليه قد شهدوا باطلاً وقد سجن في سجنك وهو مظلوم وليس عندي من يدخل علي ويقوم بحالي غيره واسأل من فضل مولانا إطلاقه من السجن. فلما قرأ الوالي الورقة ثم نظر إليها فعشقها وقال لها أدخلي المنزل حتى أحضره بين يدي ثم أرسله إليك فتأخذينه، فقالت له يا مولانا ليس لي أحد إلا الله تعالى وأنا امرأة غريبة لا أقدر على دخول منزل أحد، فقال لها الوالي لا أطلقه لك حتى تدخلي المنزل وأقضي حاجتي منك، فقالت له وإن أردت ذلك فلابد أن تحضر عندي في منزلي وتقعد وتنام وتستريح نهارك كله فقال لها وأين منزلك فقالت له في الموضع الفلاني ثم خرجت من عنده وقد اشتغل قلب الوالي.
فلما خرجت دخلت على قاضي البلد وقالت له يا سيدنا القاضي قال لها نعم قالت له انظر في أمري وأجرك على الله، فقال لها من ظلمك قالت له يا سيدي لي أخ وليس لي أحد غيره وهو الذي كلفني الخروج إليك لأن الوالي قد سجنه وشهدوا عليه بالباطل أنه ظالم وإنما أطلب منك أن تشفع لي عند الوالي فلما نظرها القاضي عشقها فقال لها ادخلي المنزل عند الجواري واستريحي معنا ساعة ونحن نرسل إلى الوالي بأن يطلق أخاك ولو كنا نعرف الدراهم التي عليه كنا دفعناها من عندنا لأجل قضاء حاجتنا لأنك أعجبتينا من حسن كلامك فقالت له إذا كنت أنت يا مولانا تفعل ذلك فما نلوم الغير، فقال لها القاضي إن لم تدخلي منزلنا فاخرجي إلى حال سبيلك، فقالت له إن أردت ذلك يا مولانا فيكون عندي في منزلي أستر وأحسن من منزلك فإن فيه الجواري والخدم والداخل والخارج وأنا امرأة ما أعرف شيئاً من هذا الأمر لكن الضرورة تحوج فقال لها القاضي وأين منزلك فقالت له في الموضع الفلاني وواعدته على اليوم الذي وعدت فيه الوالي، ثم خرجت من عند القاضي إلى منزل الوزير فرفعت إليه قصتها وشكت إليه ضرورة أخيها وأنه سجنه الوالي فراودها الوزير عن نفسها فقال لها نقضي حاجتنا منك ونطلق لك أخاك. فقالت له إن أردت فيكون عندي في منزلي فإنه أستر لي ولك ولأن المنزل لي بعيداً وأنت تعرف ما نحتاج إليه من النظافة والظرافة فقال لها الوزير وأين منزلك فقالت له في الموضع الفلاني وواعدته على ذلك اليوم، ثم خرجت من عنده إلى ملك تلك المدينة ورفعت إليه قصتها وسألته إطلاق أخيها فقال لها من حبسه قالت له حبسه الوالي فلما سمع الملك كلامها رشقته بسهام العشق في قلبه، فأمرها أن تدخل معه القصر حتى يرسل إلى الوالي ويخلص أخاها فقالت له أيها الملك هذا أمر يسهل عليك إما باختيار وإما قهراً عني، فإن كان الملك أراد ذلك مني فإنه من سعد حظي ولكن إذا جاء إلى منزلي يشرفني بنقل خطواته الكرام كما قال الشاعر:

خليلي هل أبصرتما أو سمعتما زيارة من جلت مكارمه عندي

فقال لها الملك لا نخالف لك أمراً، فواعدته في اليوم الذي واعدت فيه غيره وعرفته منزلها.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة التسعين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن المرأة لما أجابت الملك وعرفته منزلها وواعدته على ذلك اليوم الذي واعدت فيه الوالي والقاضي والوزير ثم خرجت من عنده فجاءت إلى رجل نجار، وقالت له أريد منك أن تصنع لي خزانة بأربع طبقات بعضها فوق بعض كل طبقة بباب يقفل عليها، وأخبرني بقدر أجرتك فأعطيك فقال لها أربعة دنانير وإن أنعمت علي أيتها السيدة المصونة بالوصال فهو الذي أريد ولا آخذ منك شيئاً، فقالت له إن كان ولا بد فاعمل لي خمس طبقات بأقفالها، فقال: حباً وكرامة وواعدته أن يحضر لها الخزانة في ذلك اليوم بعينه، فقال لها النجار يا سيدتي اقعدي حتى تأخذي حاجتك في هذه الساعة وأنا بعد ذلك أجيء على مهلي فقعدت عنده حتى عمل لها الخزانة بخمس طبقات وانصرفت إلى منزلها فوضعتها في المحل الذي فيه الجلوس، ثم إنها أخذت أربعة ثياب وحملتها إلى الصباغ، فصبغ كل ثوب لوناً وكل لون خلاف الآخر وأقبلت على تجهيز المأكول والمشروب والمشموم والفواكه والطيب. فلما جاء يوم الميعاد لبست أفخر ملبوسها وتزينت وتطيبت، ثم فرشت المجلس بأنواع البسط الفاخرة وقعدت تنتظر من يأتي، وإذا بالقاضي دخل عليها قبل الجماعة فلما رأته قامت واقفة على قدميها وقبلت الأرض بين يديه وأخذته وأجلسته على ذلك الفراش ونامت معه ولاعبته، فأراد منها قضاء الحاجة فقالت له يا سيدي اخلع ثيابك وعمامتك والبس هذه الغلالة الصفراء واجعل هذا القناع على رأسك حتى أحضر المأكول والمشروب، وبعد ذلك تقضي حاجتك فأخذت ثيابه وعمامته ولبس الغلالة والقناع، وإذا بطارق يطرق الباب فقال لها القاضي من هذا الذي يطرق الباب؟ فقالت له هذا زوجي فقال لها وكيف العمل وأين أروح أنا، فقالت له لا تخاف فإني أدخلك هذه الخزانة فقال لها افعلي ما بدا لك، فأخذته من يده وأدخلته في الطبقة السفلى وأقفلت عليه، ثم إنها خرجت إلى الباب وفتحته وإذا هو الوالي، فلما رأته قبلت الأرض بين يديه وأخذته بيدها وأجلسته على ذلك الفراش وقالت له يا سيدي إن الموضع موضعك والمحل محلك وأنا جاريتك ومن بعض خدامك وأنت تقيم هذا النهار عندي فاخلع ما عليك من الملبوس والبس هذا الثوب الأحمر فإنه ثوب النوم، وقد جعلت على رأسه خلقاً من خرقة كانت عندها فلما أخذت ثيابه أتت إليه في الفراش ولاعبته ولاعبها فلما مد يده إليها قالت له يا مولانا هذا النهار نهارك وما أحد يشاركك فيه ولكن من فضلك وإحسانك كتب لي ورقة بإطلاق أخي من السجن، حتى يطمئن خاطري فقال لها السمع والطاعة على الرأس والعين، وكتب كتاباً إلى خازنداره يقول فيه ساعة وصول هذه المكاتبة إليك تطلق فلاناً من غير إمهال ولا إهمال ولا ترجع حاملها بكلمة ثم ختمها وأخذتها منه ثم أقبلت تلاعبه على الفراش وإذا بطارق يطرق الباب فقال لها من هذا؟ قالت زوجي، قال: كيف أعمل؟ فقالت له: ادخل هذه الخزانة حتى أصرفه وأعود إليك. فأخذته وأدخلته في الطبقة الثانية وقفلت عليه كل هذا والقاضي يسمع كلامها.

ثم خرجت إلى الباب وفتحته وإذا هو الوزير قد أقبل، فلما رأته قبلت الأرض بين يديه وتلقته وخدمته وقالت له يا سيدي: لقد شرفتنا بقدومك في منزلنا يا سيدنا فلا أعدمنا الله هذه الطلعة ثم أجلسته على الفراش وقالت له اخلع ثيابك وعمامتك والبس هذه التخفيفة، فخلع ما كان عليه وألبسته غلالة زرقاء وطرطور أحمر، فلما لبسها الوزير لاعبته على الفراش ولاعبها، وهو يريد قضاء الحاجة منها وهي تمنعه وتقول له: يا سيدي هذا لا يفوتنا.

فبينما هم في الكلام وإذا بطارق يطرق الباب فقال لها من هذا فقالت له زوجي فقال لها كيف التدبير فقالت قم وادخل هذه الخزانة حتى اصرف زوجي وأعود إليك ولا تخف، ثم إنها أدخلته الطبقة الثالثة وقفلت عليه وخرجت ففتحت الباب وإذا هو الملك دخل فلما رأته قبلت الأرض بين يديه وأخذت بيده وأدخلته في صدر المكان وأجلسته على الفراش وقالت له شرفتنا أيها الملك ولو قدمنا لك الدنيا وما فيها ما تساوي خطوة من خطواتك إلينا.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الواحدة والتسعين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك لما دخل دار المرأة قالت له لو أهدينا لك الدنيا وما فيها ما تساوي خطوة من خطواتك إلينا فلما جلس على الفراش قالت له: أعطني أذناً أكلمك كلمة واحدة فقال لها تكلمي ما شئت فقالت له استرح يا سيدي واخلع ثيابك وعمامتك وكانت ثيابه في ذلك الوقت تساوي ألف دينار، فلما خلعها ألبسته ثوباً خلقاً قيمته عشرة دراهم بلا زيادة وأقبلت تؤانسه وتلاعبه، هذا كله والجماعة الذين في الخزانة يسمعون ما يحصل منهما ولا يقدر أحد أن يتكلم فلما مد الملك يده إلى عنقها وأراد أن يقضي حاجته منها، قالت له هذا الأمر لا يفوتنا وقد كنت قبل الآن وعدت حضرتك بهذا المجلس فلك عندي ما يسرك، فبينما هما يتحدثان وإذا بطارق يطرق الباب فقال لها من هذا قالت له زوجي فقال لها اصرفيه عنا كرماً منا وإلا فاطلع إليه أصرفه قهراً فقالت له لا يكون ذلك يا مولانا بل اصبر حتى أصرفه بحسن معرفتي فقال لها وكيف أفعل أنا، فأخذته من يده وأدخلته في الطبقة الرابعة وقفلت عليه، ثم خرجت إلى الباب ففتحته وإذا هو النجار. فلما دخل وسلم عليها قالت له أي شيء هذه الخزائن التي عملتها فقال لها ما لها يا سيدتي فقالت له إن هذه الطبقة ضيقة فقال لها هذه واسعة فقالت له ادخل وانظرها فإنها لا تسعك فقال لها هذه تسع أربعة ثم دخل النجار فلما دخل قفلت عليه الطبقة الخامسة، ثم إنها قامت وأخذت ورقة الوالي ومضت بها إلى الخازندار فلما أخذها قبلها وأطلق لها الرجل عشيقها من الحبس فأخبرته بما فعلته فقال لها وكيف تفعلي قالت له نخرج من هذه المدينة إلى مدينة أخرى وليس لنا بعد هذا الفعل إقامة هنا ثم جهزوا ما كان عندهما وحملاه على الجمال وسافرا من ساعتهما إلى مدينة أخرى، وأما القوم فإنهم أقاموا في طبقات الخزانة ثلاثة أيام بلا أكل، فانحصروا لأن لهم ثلاثة أيام لم يبولوا، فبال النجار على رأس السلطان وبال السلطان على رأس الوزير وبال الوزير على رأس الوالي وبال الوالي على رأس القاضي فصاح القاضي وقال أي شيء هذه النجاسة أما يكفينا ما نحن فيه حتى تبولوا علينا فرفع الوالي صوته وقال عظم الله أجرك أيها القاضي، فلما سمعه عرف أنه الوالي ثم إن الوالي رفع صوته وقال ما بال هذه النجاسة، فرفع الوزير صوته وقال عظم الله أجرك أيها الوالي، فلما سمعه الوالي عرف أنه الوزير، ثم إن الوزير رفع صوته وقال ما بال هذه النجاسة، فرفع الملك صوته وقال عظم الله أجرك أيها الوزير. ثم إن الملك لما سمع كلام الوزير عرفه ثم سكت وكتم أمره، ثم إن الوزير قال لعن الله هذه المرأة بما فعلت معنا أحضرت جميع أرباب الدولة عندها ما عدا الملك، فلما سمعهم الملك قال لهم اسكتوا فأنا أول من وقع في شبكة هذه العاهرة الفاجرة، فلما سمع النجار قولهم قال لهم وأنا أي شيء ذنبي قد عملت لها خزانة بأربعة دنانير ذهباً وجئت أطلب الأجرة فاحتالت علي وأدخلتني هذه الطبقة وقفلتها علي ثم إنهم صاروا يتحدثون مع بعضهم وسلوا الملك بالحديث وأزالوا ما عنده من الانقباض.

فجاء جيران ذلك المنزل فرأوه خالياً فقال بعضهم لبعض بالأمس كانت جارتنا زوجة فلان فيه، والآن لم نسمع في هذا الموضع صوت أحد ولا نرى فيه أنسياً فاكسروا هذه الأبواب وانظروا حقيقة الأمر لئلا يسمع الوالي أو الملك فيسجننا فنكون نادمين على أمر لم نفعله قبل ذلك، ثم إن الجيران كسروا الأبواب ودخلوا فرأوا خزانة من خشب ووجدوا رجالاً تئن من الجوع والعطش فقالوا لبعضهم هل يوجد جني في هذه الخزانة فقال واحد منهم نجمع لها حطباً ونحرقها بالنار فصاح عليهم القاضي وقال لا تفعلوا.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثانية والتسعين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجيران لما أرادوا أن يحملوا الحطب ويحرقوا الخزانة صاح عليهم القاضي وقال لا تفعلوا ذلك فقال الجيران لبعضهم إن الجن يتصورون ويتكلمون بكلام الإنس، فلما سمعهم القاضي قرأ شيئاً من القرآن العظيم ثم قال للجيران ادنوا من الخزانة التي نحن فيها، فلما دنوا منها قال لهم أنا فلان وفلان ونحن هنا جماعة فقال الجيران للقاضي ومن جاء بك هنا فأعلمنا الخبر من أوله إلى آخره فاحضروا لهم نجاراً ففتح للقاضي خزانته وكذلك الوالي والوزير والملك والنجار وكل منهم بالملبوس الذي عليه.

فلما طلعوا نظر بعضه لبعض وصار كل منهم يضحك على الآخر ثم إنهم خرجوا وطلبوا المرأة فلم يقفوا لها على خبر وقد أخذت جميع ما كان عليهم فأرسل كل منهم إلى جماعته يطلب ثياباً، فأحضروا لهم ملبوساً ثم خرجوا مستورين به على الناس، فانظر يا مولانا الملك هذه المكيدة التي فعلتها هذه المرأة مع هؤلاء القوم. وقد بلغني أيضاً أنه كان رجل يتمنى في عمره أن يرى ليلة القدر فنظر ليلة من الليالي إلى السماء فرأى الملائكة وأبواب السماء قد فتحت ورأى كل شيء ساجد في محله فلما رأى ذلك قال لزوجته يا فلانة إن الله قد أراني ليلة القدر ونذرت إن رأيتها أدعو ثلاث دعوات مستجابات فأنا أشاورك فماذا أقول، فقالت المرأة قل اللهم كبر لي ذكري، فقال ذلك فصار ذكره مثل ضرف القرع حتى صار ذلك الرجل لا يستطيع القيام به، وكانت زوجته إذا أراد أن يجامعها تهرب منه من موضع إلى موضع فقال لها الرجل كيف العمل فهذه أمنيتك لأجل شهوتك، فقالت له أنا ما أشتهي أن يبقى بهذا الطول فرفع الرجل رأسه إلى السماء وقلا اللهم أنقذني من هذا الأمر وخلصني منه فصار الرجل ممسوحاً ليس له ذكر، فلما رأته زوجته قالت له ليس لي بك حاجة حيث صرت بلا ذكر فقال لها هذا كله من شؤم رأيك وسوء تدبيرك كان لي عند الله ثلاث دعوات أنال بها خيرات الدنيا والآخرة فذهبت دعوتان وبقيت دعوة واحدة، فقالت ادع الله على ما كنت عليه أولاً فدعا ربه فعاد كما كان فهذا أيها الملك بسبب سوء تدبير المرأة، وإنما ذكرت لك ذلك لتحقق غفلة النساء وسخافة عقولهن وسوء تدبيرهن، فلا تسمع قولها وتقتل ولدك مهجة قلبك وتمحو ذكرك من بعدك فانتهى الملك عن قتل ولده.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثالثة والتسعين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك انتهى عن قتل ولده فلما كان في اليوم السابع حضرت الجارية صارخة بين يدي الملك وأضرمت ناراً قالت له إن لم تنصفني من ولدك ألقيت نفسي في هذه النار، فقد كرهت الحياة وقبل حضوري كتبت وصيتي وتصدقت بمالي وعزمت على الموت فتندم كل الندم كما ندم الملك على عذاب حارسة الحمام فقال لها الملك وكيف كان ذلك.

فقالت له الجارية: بلغني أيها الملك أن امرأة كانت عابدة زاهدة ناسكة وكانت تدخل قصر ملك من الملوك يتبركون بها وكان لها عندهم حظ عظيم فدخلت يوماً من الأيام ذلك القصر على جري عادتها وجلست بجانب زوجة الملك فناولتها عقداً قيمته ألف دينار، وقالت لها يا جارية خذي هذا العقد عندك واحرسيه حتى أخرج من الحمام فآخذه منك، وكان الحمام في القصر فأخذته الجارية وجلست في موضع في منزل الملكة حتى تدخل الحمام الذي عندها في المنزل وتخرج، ثم وضعت ذلك العقد تحت سجادة وقامت تصلي فجاء طير وأخذ العقد وجعله في شق من زوايا القصر، وقد خرجت الحارسة لحاجة تقضيها وترجع ولم تعلم بذلك، فلما خرجت زوجة الملك من الحمام طلبت العقد من تلك الحارسة فلم تجده وجعلت تفتش عليه فلم تجد له خبراً ولم تقع له على أثر فصارت الحارسة تقول والله يا بنتي ما جاءني أحد وحين أخذته وضعته تحت السجادة، ولم أعلم هل أحد من الخدم عاينه واستغفلني وأنا في الصلاة وأخذه والعلم في ذلك لله تعالى فلما سمع الملك بذلك أمر زوجته أن تعذب الحارسة بالنار والضرب الشديد.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الرابعة والتسعين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك لما أمر زوجته أن تعذب الحارسة بالنار والضرب الشديد عذبتها بأنواع العذاب، فلم تقر بشيء ولم تتهم أحداً فبعد ذلك أمر الملك بسجنها وأن يجعلوها في القيود فحبست، ثم إن الملك جلس يوماً من الأيام في وسط القصر والماء محدق به وزوجته بجانبه فوقعت عينه على طير وهو يسحب ذلك العقد من شق من زوايا القصر، فصاح على جارية عنده فأدركت ذلك الطير وأخذت العقد منه فعلم الملك أن الحارسة مظلومة فندم على ما فعل معها وأمر بإحضارها فلما حضرت أخذ يقبل رأسها ثم صار يبكي ويستغفر ويتندم على ما فعل معها ثم أمر لها بمال جزيل فأبت أن تأخذه ثم سامحته وانصرفت من عنده وأقسمت على نفسها أن لا تدخل منزل أحد وساحت في الجبال والأودية تعبد الله تعالى إلى أن ماتت. وبلغني أيضاً من كيد الرجال والنساء حكاية أعجب من هذه الحكايات كلها فقال لها الملك هات ما عندك فقالت اعلم أيها الملك أن جارية من جواري الملك ليس لها نظير في زمانها في الحسن والجمال، والقد والاعتدال والبهاء والدلال والأخذ بعقول الرجال وكانت تقول ليس لي نظر في زماني وكان جميع أولاد الملوك يخطبونها فلم ترض أن تأخذ واحداً منهم وكان اسمها الدنماء وكانت تقول لا يتزوجني إلا من يقهرني في حومة الميدان بالضرب والطعان فإن غلبني أحد تزوجته بطيب قلبي وإن غلبته أخذت فرسه وسلاحه وثيابه وكتبت على جبهته هذا عتيق فلانة وكان أبناء الملوك يأتون إليها من كل مكان بعيد وقريب وهي تغلبهم وتعيبهم وتأخذ أسلحتهم ولسعتها بالنار فسمع بها ابن ملك من ملوك العجم يقال له بهرام فأعجب بها من مسافة بعيدة واستصحب معه مالاً وخيلاً ورجالاً وذخائر من ذخائر الملوك حتى يصل إليها.

فلما حضر عندها أرسل إلى والدها هدية سنة فأقبل عليه الملك وأكرمه غاية الإكرام ثم إنه أرسل إليه مع وزرائه أنه يريد أن يخطب ابنته فأرسل إليه والدها وقال له يا ولدي أما ابنتي الدنماء فليس لي عليها حكم لأنها أقسمت على نفسها أنها لا تتزوج إلا من يقهرها في حومة الميدان فقال له ابن الملك وأنا ما سافرت من مدينتي إلا على هذا الشرط فقال الملك في غد تلتقي معها، فلما جاء الغد أرسل والدها إليها واستأذنها فلما سمعت ذلك تأهبت للحرب ولبست آلة حربها إلى الميدان فخرج ابن الملك إلى لقائها وعزم.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الخامسة والتسعين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن ابن الملك خرج للقائها وعزم على تجربها فتسامعت الناس بذلك فأتت من كل مكان فحضروا في ذلك اليوم وخرجت الدنماء وقد لبست وتمنطقت وتنقبت، فبرز لها ابن الملك وهو في أحسن حالة وأتقن آلة من آلات الحرب وأكمل عدة فحمل كل واحد منهما على الآخر ثم تجاولا طويلاً واعتركا ملياً، فنظرت منه من الشجاعة والفروسية ما لم تنظره من غيره، فخافت على نفسها أن يخجلها بين الحاضرين، وعلمت أنه لا محالة غالبها فأرادت مكيدته وعملت له الحيلة فكشفت عن وجهها وإذا هو أضوأ من البدر، فلما نظر إليها ابن الملك اندهش فيه وضعفت قوته وبطلت عزيمته فاقتلعته من سرجه وصار في يدها مثل العصفور في مخلب العقاب وهو ذاهل في صورتها لا يدري ما يفعل به فأخذت جواده وسلاحه وثيابه وسمته بالنار وأطلقت سبيله.

فلما فاق من غشيته، مكث أياماً لا يأكل ولا يشرب ولا ينام من القهر وتمكن حب الجارية من قلبه فصرف عبيده إلى والده وكتب له كتاباً أنه لا يقدر أن يرجع إلى بلده حتى يظفر بحاجته أو يموت دونها فلما وصلت المكاتبة إلى والده حزن عليه وأراد أن يبعث إليه بالجيوش والعساكر، فمنعه الوزراء من ذلك وصبروه ثم إن ابن الملك استعمل في غرضه الحيلة فجعل نفسه شيخاً هرماً وقصد بستان بنت الملك لأنها كانت تدخل أكثر أيامها فيه فاجتمع ابن الملك بالخولي وقال له: إني رجل غريب من بلاد بعيدة وكنت مدة شبابي خولي وإلى الآن أحسن الفلاحة وحفظ النبات والمشموم ولا يحسنه أحد غيري.

فلما سمعه الخولي فرح به غاية الفرح، فأدخله البستان ووصى عليه جماعته فأخذ في الخدمة وتربية الأشجار والنظر في مصالح أثمارها وبينما هو كذلك يوماً من الأيام وإذا بالعبيد قد ركضوا ومعهم البغال عليهم الفراش والأواني فسأل عن ذلك، فقالوا له إن بنت الملك تريد أن تتفرج على ذلك البستان فمضى وأخذ الحلي والحلل التي كانت معه من بلاده، وجاء بها إلى البستان وقعد فيه ووضع قدامه شيئاً من تلك الذخائر وصار يرتعش ويظهر أن ذلك من الهرم.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السادسة والتسعين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن ابن ملك العجم لما جعل نفسه شيخاً كبيراً وقعد في البستان ووضع بين يديه الحلي والحلل وأظهر أنه يرتعش من الكبر والهرم والضعف فلما كان بعد ساعة حضر الجواري والخدم ومعهن ابنة الملك في وسطهن كأنها القمر بين النجوم، فأقبلن وجعلن يدرن البستان ويقطفن الأثمار فرأين رجلاً قاعداً تحت شجرة من الأشجار فقصدنه وهو ابن الملك ونظرنه، وإذا به شيخ كبير يرتعش بيديه ورجليه وبين يديه حلي وذخائر من ذخائرالملوك، فلما نظرنه تعجبن من أمره فسألته عن هذه الحلي ما يصنع به، فقال لهن هذه الحلي أريد أن أتزوج بها واحدة منكن فتضاحكن عليه وقلن له إذا تزوجتها ما تصنع بها. فقال كنت أقبلها قبلة واحدة وأطلقها فقالت له ابنة الملك زوجتك بهذه الجارية، فقام إليها وهو يتوكأ على عصا ويرتعش ويتعثر فقبلها ودفع لها تلك الحلي والحلل ففرحت الجارية وتضاحكن عليه ثم ذهبن إلى منازلهن.

فلما كان في اليوم الثاني دخلن البستان وجئن نحوه فوجدنه جالساً في موضعه وبين يديه حلي وحلل وأكثر من الأول فقعدن عنده وقلن له أيها الشيخ ما تصنع بهذه الحلي، فقال أتزوج به واحدة منكن مثل البارحة فقالت له ابنة الملك قد زوجتك هذه الجارية فقام إليها وقبلها وأعطاها تلك الحلي والحلل وذهبن إلى منزلهن، فلما رأت ابنة الملك الذي أعطاه للجواري من الحلي والحلل، قالت في نفسها أنا كنت أحق بذلك وما علي بذلك من بأس.

فلما أصبح الصباح، خرجت من منزلها وحدها وهي في صورة جارية من الجواري وأخفت نفسها إلى أن أتت إلى الشيخ، فلما حضرت بين يديه قالت يا شيخ أنا ابنة الملك هل تريد أن تتزوج بي؟ فقال لها حباً وكرامة وأخرج لها الحلي والحلل ما هو أعلى قدراً وأغلى ثمناً ثم دفعه وقام ليقبلها وهي آمنة مطمئنة، فلما وصل إليها قبض عليها بشدة وضرب بها الأرض وأزال بكارتها وقال لها ما تعرفيني فقالت له من أنت؟ فقال لها أنا بهرام ابن ملك العجم قد غيرت صورتي وتغربت عن أهلي ومملكتي من أجلك، فقامت من تحته وهي ساكتة لا ترد عليه جواباً ولا تبدي له خطاباً مما أصابها، وقالت في نفسها إن قتلته فما يفيد قتله، ثم تفكرت في نفسها وقالت ما يسعني في ذلك إلا الهرب معه إلى بلاده، فجعلت مالها وذخائرها وأرسلت إليه وأعلمته بذلك لأجل أن يتجهز أيضاً ويجمع ماله وتعاهدا على ليلة يسافرا فيها.

ثم ركبا الخيل وسارا تحت جنح الليل، فلما أصبح الصباح حتى قطعا بلاداً بعيدة ولم يزالا سائرين حتى وصلا إلى بلاد العجم قرب مدينة أبيه، فلما سمع والده تلقاه بالعساكر والجنود وفرح غاية الفرح، ثم بعد أيام قلائل أرسل إلى والد الدنماء هدية سنية وكتب له كتاباً يخبره فيه أن ابنته عنده ويطلب جهازها، فلما وصلت الهدايا إليه تلقاها وأكرم من حضر بها غاية الإكرام وفرح بذلك فرحاً شديداً ثم أولم.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السابعة والتسعين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك أبا الدنماء فرح فرحاً شديداً وأولم الولائم وأحضر القاضي والشهود وكتب كتابها على ابن الملك، وخلع على الرسل الذين حضروا بالكتاب من عند ابن ملك العجم، وأرسل إلى ابنته جهازها ثم أقام معها ابن ملك العجم حتى فرق بينهما الموت، فانظر أيها الملك كيد الرجال للنساء وأنا لن أرجع عن حقي إلى أن أموت، فأمر الملك بقتل ولده، فدخل الوزير السابع فلما حضر بين يديه قبل الأرض بين يديه وقال أيها الملك أمهلني حتى أقول لك هذه النصيحة فإن من صبر وتأنى أدرك الأمل ونال ما تمنى ومن استعجل يحصل له الندم، وقد رأيت ما تعهدته هذه الجارية من تحميل الملك ركوب الأهوال والمملوك المغمور من فضلك وإنعامك ناصح لك، وأنا أيها الملك أعرف من كيد النساء ما لا يعرفه أحد غيري وقد بلغني من ذلك حديث العجوز وولد التاجر فقال له الملك وكيف كان ذلك يا وزير؟ فقال: بلغني أيها الملك أن تاجراً كان كثير المال وكان له ولد يعز عليه فقال الولد لوالده يوماً من الأيام يا والدي أتمنى عليك أمنية تفرج عني بها فقال له أبوه ما هي يا ولدي حتى أعطيكها ولو كانت نور عيني لأبلغك به مقصودك فقال له الولد أتمنى عليك أن تعطيني شيئاً من المال أسافر به مع التجار إلى بلاد بغداد لأتفرج عليها، وأنظر قصور الخلفاء لأن أولاد التجار وصفوا لي ذلك وقد اشتقت أن أنظر إليها فقال له والده يا بني من له صبر على غيبتك، فقال له الولد أنا قلت لك هذه الكلمة ولا بد من المسير إليها برضا أو بغير رضا فإنه وقع في نفسي وجد لا يزول إلا بالوصول إليها.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثامنة والتسعين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن ابن التاجر قال لأبيه لابد من السفر والوصول إلى بغداد، فلما تحقق منه ذلك جهز له متجراً بثلاثين ألف دينار وسفره مع التجار الذين يثق بهم ووصى عليه التجار ثم إن والده ودعه ورجع إلى منزله ومازال الولد مسافراً مع رفقائه التجار إلى أن وصلوا إلى مدينة بغداد دار السلام فلما بلغوها دخل الولد سوقها واكترى له داراً حسنة مليحة أذهلت عقله وأدهشت ناظره فيها الطيور تغرد والمجالس يقابل بعضها بعضاً وأرضها مرخمة بالرخام الملون وسقوفها مذهبة باللازورد المعدني فسأل البواب عن مقدار أجرتها كم في الشهر فقال له عشرة دنانير فقال له الولد هل أنت تقول حقاً أو تهزأ بي فقال له البواب والله لا أقول إلا حقاً فإن كل من سكن هذه الدار لا يسكنها إلا جمعة أو جمعتين.

فقال له الولد وما السبب في ذلك فقال يا ولدي كل من سكنها لا يخرج منها إلا مريضاً أو ميتاً وقد اشتهرت هذه الدار بهذه الأشياء عند جميع الناس فلم يتقدم أحد على سكنها وقد قلت أجرتها لهذا القدر فلما سمع الولد ذلك تعجب منه غاية العجب، وقال لابد أن يكون لهذه الدار سبب من الأسباب حتى يحصل فيها ذلك المرض أو الموت، ثم تفكر الولد في نفسه واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم وأزال ذلك الوهم من خاطره وسكنها وباع واشترى ومضى عليه مدة أيام في الدار، ولم يصبه شيء مما قال له ذلك البواب، فبينما هو جالس يوماً من الأيام على باب الدار إذ مرت عليه عجوز شمطاء كأنها الحية الرقطاء، وهي تكثر من التسبيح والتقديس وتزيل الحجارة والأذى من الطريق، فرأت الولد جالساً على الباب فنظرت إليه وتعجبت من أمره فقال لها الولد يا امرأة هل تعرفينني أو تشبهين علي. فلما سمعت كلامه هرولت إليه وسلمت عليه وقالت له كم لك ساكناً في هذه الدار؟ فقال لها يا أمي مدة شهرين فقالت: من هذا تعجبت وأنا يا ولدي لا أعرفك ولا تعرفني ولا شبهت عليك بل إني تعجبت من أنه لا أحد غيرك يسكنها إلا ويخرج منها ميتاً أو مريضاً، وما أشك أنك يا ولدي مخاطر بشبابك هلا طلعت القصر ونظرت من المنظرة التي فيه ثم إن العجوز مضت إلى حال سبيلها فلما فارقته العجوز صار الولد متفكراً في كلامها وقال في نفسه أنا ما طلعت أعلى القصر ولا أعلم أن به منظرة، ثم دخل من وقته وساعته وجعل يطوف في أركان البيت حتى رأى في ركن منها باباً لطيفاً معششاً عليه العنكبوت بين الأشجار، فلما رآه الولد قال في نفسه لعل العنكبوت ما عشش على هذا الباب إلا لأن المنية داخله، فتمسك بقول الله تعالى قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ثم فتح ذلك الباب وطلع في سلم لطيف حتى وصل إلى أعلاه.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة التاسعة والتسعين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الغلام طلع السلم حتى وصل إلى أعلاه فرأى منظرة فجلس فيها يستريح ويتفرج، فنظر إلى موضع لطيف نظيف بأعلاه مقعد منيف يشرف على جميع بغداد، وفي ذلك المقعد جارية كأنها حورية فأخذت بمجامع قلبه وذهبت بعقله ولبه وأورثته ضر أيوب وحزن يعقوب فلما نظر الولد وتأملها بالتحقيق قال في نفسه لعل الناس يذكرون أنه لا يسكن هذه الدار واحداً غلا مات أو مرض بسبب هذه الجارية فيا ليت شعري كيف يكون خلاصي فقد ذهب عقلي ثم نزل من أعلى القصر متفكراً في أمره فجلس في الدار فلم يستقر قراره ثم خرج وجلس على الباب متحيراً في أمره وإذا بالعجوز ماشية وهي تذكر وتسبح في الطريق.

فلما رآها الولد قام واقفاً على قدميه وبدأها بالسلام والتحية، وقال لها يا أمي كنت بخير وعافية حتى أشرت علي بفتح الباب، فرأيت المنظرة وفتحتها ونظرت أعلاها فرأيت ما أدهشني، والآن أظن أني هالك وأنا أعلم أنه ليس لي طبيب غيرك، فلما سمعته ضحكت وقالت له لابأس عليك إن شاء الله تعالى، فلما كلمته بذلك الكلام قام الولد ودخل الدار وخرج لها وفي كمه مائة دينار وقال لها خذيها يا أمي وعامليني معاملة السادات للعبيد وبالعجل أدركيني وإذا مت فأنت المطالبة بدمي يوم القيامة.

فقالت له العجوز حباً وكرامة، وإنما أريد منك يا ولدي أن تساعدني بمعاملة لطيفة فيها تبلغ مرادك فقال لها وما تريدين يا أمي فقالت وأريد منك أن تعينني وتروح إلى سوق الحرير وتسأل عن دكان أبي الفتح بن قيدام فإذا دلوك عليه، فاقعد على دكانه وسلم عليه وقل له أعطيني القناع الذي عندك مرسوماً بالذهب فإنه ما عنده في دكانه أحسن منه، فاشتري منه يا وليد بأغلى ثمن واجعله عندك حتى أحضر إليك في غد إن شاء الله تعالى، ثم إن العجوز انصرفت وبات الولد تلك الليلة يتقلب على جمر الغضى، فلما أصبح الصباح أخذ الولد في جيبه ألف دينار وذهب بها إلى سوق الحرير وسأل عن دكان أبي الفتح فأخبره به رجل من التجار، فلما وصل إليه رأى بين يديه غلمانه وخدماً وحشماً ورأى عليه وقاراً وهو في سعة مال ومن تمام نعمته تلك الجارية التي ما مثلها عند أبناء الملوك ثم إن الولد لما نظره سلم عليه فرد عليه السلام ثم أمره بالجلوس عنده فقال له الولد يا أيها التاجر أريد منك القناع الفلاني لأنظره فأمر التاجر العبد أن يأتيه بربطة من الحرير من صدر الدكان فأتاه بها ففتحها وأخرج منها عدة قناعات فتحير الولد من حسنها ورأى ذلك القناع بعينه فاشتراه بخمسين ديناراً وانصرف به مسروراً إلى داره.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الستمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الولد لما اشترى القناع من التاجر أخذه وانصرف به إلى داره وإذا هو بالعجوز قد أقبلت فلما رآها قام لها على قدميه وأعطاها ذلك القناع، ثم قالت له احضر لي جمرة نار فأحضر الولد النار فقربت طرف القناع من الجمرة فأحرقت طرفه ثم طوته كما كان وأخذته وانصرفت به إلى بيت أبي الفتح فلما وصلت طرقت الباب فلما سمعت الجارية صوتها قامت وفتحت الباب، وكانت للعجوز صحبة بأم الجارية وهي تعرفها وذلك بسبب أنها رفيقة أمها فقالت لها الجارية وما حاجتك يا أمي إن والدتي خرجت من عندي إلى منزلها، فقالت لها العجوز يا بنتي أنا عارفة أن أمك ليست عندك وأنا كنت عندها في الدار، وما جئت إليك إلا خوف فوات وقت الصلاة فأريد الوضوء عندك فإني أعلم منك أنك نظيفة ومنزلك طاهر فأذنت لها الجارية بالدخول عندها.

فلما دخلت سلمت عليها ودعت لها ثم أخذت الإبريق ودخلت بيت الخلاء ثم توضأت وصلت في موضع، وقامت بعد ذلك للجارية وقالت لها يا بنتي أظن أن هذا الموضع الذي صليت فيه مشى فيه الخدم وأنه نجس فانظر لي موضعاً آخر لأصلي فيه فإني أبطلت الصلاة التي صليتها، فأخذتها الجارية من يدها وقالت لها تعالي يا أمي صلي على فراشي الذي يجلس عليه زوجي، فلما أوقفتها على الفراش قامت تصلي وتدعو وتركع، ثم غافلت الجارية وجعلت ذلك القناع تحت المخدة من غير أن تنظرها، ولما فرغت من الصلاة دعت لها وقامت فخرجت من عندها، فلما كان آخر النهار دخل التاجر زوجها فجلس على الفراش فأتته بطعام فأكل منه كفايته وغسل يديه ثم اتكأ على الوسادة وإذا بطرف القناع خارج من تحت المخدة فأخرجه من تحتها، فلما نظره عرفه فظن الجارية بالفحشاء فناداها وقال لها من أين لك هذا القناع، فحلفت له أيماناً وقالت له أنه لم يأتني أحد غيرك، فسكت التاجر خوفاً من الفضيحة وقال في نفسه متى فتحت هذا الباب افتضحت في بغداد.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الواحدة بعد الستمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن التاجر قال في نفسه متى فتحت هذا الباب افتضحت في بغداد لأن ذلك التاجر كان جليس الخليفة، فلم يسعه إلا السكوت ولم يخاطب بكلمة واحدة وكان اسم الجارية محظية فناداها وقال لها قد بلغني أن أمك راقدة ضعيفة من وجع قلبها وجميع النساء عندها يتباكين عليها وقد أمرتك أن تخرجي إليها فمضت الجارية إلى أمها فلما دخلت الدار وجدت أمها طيبة فجلست ساعة وغذا بالحمالين قد أقبلوا عليها بنقل حوائجها من دار التاجر فنقلوا جميع ما في الدار من الأمتعة فلما رأت ذلك أمها قالت يا بنتي أي شيء جرى لك، فأنكرت منها ذلك ثم بكت أمها وحزنت على فراق بنتها من ذلك الرجل.

ثم إن العجوز بعد مدة من الأيام جاءت إلى الجارية وهي في المنزل فسلمت عليها باشتياق وقالت لها ما لك يا بنتي يا حبيبتي قد شوشت فكري ودخلت على أم الجارية فقالت لها يا أختي ما الخبر وما حكاية البنت مع زوجها فإنه قد بلغني أنه طلقها فأي شيء لها من الذنب يوجب هذا كله، فقالت له أم الجارية لعل زوجها يرجع إليها ببركتك فادعي لها يا أختي فإنك صوامة قوامة طول ليلك، ثم إن البنت لما اجتمعت هي وأمها والعجوز في البيت وتحدثن مع بعضهن قالت لها العجوز يا بنتي لا تحملي هماً إن شاء الله تعالى أجمع بينك وبين زوجك في هذه اليام ثم خرجت إلى الولد وقالت له هيء لنا مجلساً مليحاً فإني آتيك بها في هذه الليلة فنهض الولد وأحضر ما يحتاجان إليه من الأكل والشرب وقعد في انتظارهما فجاءت العجوز إلى أم الجارية وقالت لها يا أختي عندنا فرح فأرسلي البنت معي لتتفرج ويزول ما بها من الهم والغم ثم ارجع بها إليك مثل ما أخذتها من عندك. فقامت أم الجارية وألبستها أفخر ملبوسها وزينتها بأحسن الزينة من الحلي والحلل وخرجت مع العجوز وذهبت أمها معها إلى الباب، وصارت توصي العجوز وتقول لها إحذري أن ينظرها أحد من خلق الله تعالى، فإنك تعلمين منزلة زوجها عند الخليفة ولا تتعوقي وارجعي بها في أسرع وقت، فأخذتها العجوز إلى أن وصلت بها إلى منزل الولد والجارية تظن أنه منزل العرس، فلما دخلت الدار ووصلت إلى قاعة الجلوس.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثانية بعد الستمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية لما دخلت الدار ووصلت إلى قاعة الجلوس وثب الولد إليها وعانقها وقبل يديها ورجليها فاندهشت الجارية من حسن الولد وتخيلت أن ذلك المكان وجميع ما فيه من مشموم ومأكول ومشروب منام فلما نظرت العجوز اندهاشها قالت لها اسم الله عليك يا بنتي فلا تخافي وأنا قاعدة لا أفارقك ساعة واحدة، وأنت تصلحين له وهو يصلح لك فقعدت الجارية وهي في شدة الخجل، فلم يزل الولد يلاعبها ويضاحكها ويؤنسها بالأشعار والحكايات حتى انشرح صدرها وانبسطت فأكلت وشربت ولما طاب لها الشرب أخذت العود وغنت ولحسن الولد مالت وحنت.

فلما رأى الولد منها ذلك سكر من غير مدام وهانت عليه روحه وخرجت العجوز من عنده ثم أتتهما في الصباح وصبحت عليهما ثم قالت للجارية كيف كانت ليلتك يا سيدتي فقالت لها كانت طيبة بطول أياديك وحسن تعريضك ثم قالت لها قومي نروح إلى أمك، فلما سمع الولد كلام العجوز خرج لها مائة دينار وقال لها خليها عندي هذه الليلة فخرجت العجوز من عندهما ثم ذهبت إلى والدة الجارية وقالت بنتك تسلم عليك وأم العروسة قد حلفت عليها أنها تبيت عندها هذه الليلة فقالت لها أمها يا أختي سلمي عليهما وإذا كانت الجارية منشرحة لذلك فلابأس ببياتها حتى تنبسط وتجيء على مهلها ما أخاف عليها إلا من القهر من جهة زوجها، ومازالت العجوز تعمل لأم الجارية حيلة بعد حيلة إلى أن مكثت سبعة أيام وكل يوم تأخذ من الولد مائة دينار.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثالثة بعد الستمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العجوز مكثت أسبوع تأخذ في كل يوم مائة دينار فلما مضت هذه الأيام قالت أم الجارية للعجوز هات لي ابنتي في هذه الساعة فإن قلبي مشغول عليها وقد طالت مدة غيبتها وتوهمت من ذلك فخرجت العجوز من عندها غضبانة من كلامها ثم جاءت إلى الجارية ووضعت يدها في يدها ثم خرجتا من عند الولد وهو نائم على فراشه من سكر المدام إلى أن وصلتا إلى أم الجارية فالتفتت أمها إليها ببسط وانشراح وفرحت بها غاية الفرح وقالت لها يا بنتي إن قلبي مشغول بك ووقعت في حق أختي بكلام أوجعتها به فقالت لها قومي وقبلي يديها ورجليها فإنها كانت لي كالخادم في قضاء حاجتي وإن تفعلي ما أمرتك به فما أنا بنتك ولا أنت أمي فقامت من وقتها وصالحتها ثم إن الولد قام من سكره فلم يجد الجارية لأنه استبشر بما ناله لما بلغ مقصوده ثم إن العجوز ذهبت إلى الولد وسلمت عليه وقالت له ماذا رأيت فقال لها نعم ما فعلتيه من الرأي والتدبير ثم قالت له تعال نصلح ما أفسدناه ونرد هذه الجارية إلى زوجها فإننا كنا سبب الفراق بينهما فقال لها وكيف أفعل قالت تذهب إلى دكان التاجر وتقعد عنده وتسلم وأنا أفوت على الدكان فلما تنظرني قم إلي من الدكان بسرعة واقبض علي، واجذبني من ثيابي واشتمني وخوفني، وطالبني بالقناع وقل للتاجر أنت يا مولاي ما تعرف القناع الذي اشتريته منك بخمسين ديناراً فقد حصل يا سيدي أن جارتي لبسته فاحترق من طرفه فأعطته جاريتي لهذه العجوز تعطيه لأحد يرتيه لها فأخذته ومضت ولم أرها من ذلك اليوم.

فقال لها الولد حباً وكرامة ثم إن الولد تمشى من وقته وساعته إلى دكان التاجر وجلس عنده ساعة وإذا بالعجوز جائزة على الدكان وبيدها مسبحة تسبح بها فلما رآها قام على رجليه وجذبها من ثيابها وصار يشتمها ويسبها وهي تكلمه بلطافة وتقول له يا ولدي أنت معذور فاجتمع أهل السوق عليهما وقالوا ما اخلبر فقال يا قوم إنني اشتريت من هذا التاجر قناعاً بخمسين ديناراً ولبسته الجارية ساعة واحدة فقعدت تبخره فطارت شرارة فأحرقت طرفه فدفعناه إلى هذه العجوز على أنها تعطيه لمن يرتيه وترده لنا فمن ذلك الوقت ما رأيناها أبداً. فقالت العجوز صدق هذا الولد نعم إني أخذته منه ودخلت به بيتاً من البيوت التي أدخلها على عادتي فنسيته في موضع من تلك الأماكن ولم أدر في أي موضع هو، وأنا امرأة فقيرة وخفت من صاحبه فلم أواجهه كل كل هذا والتاجر زوج المرأة يسمع كلامهما.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الرابعة بعد الستمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الولد لما قبض على العجوز وكلمها من قبل القناع كما أعلمته كان التاجر زوج المرأة يسمع الكلام من أوله إلى آخره فلما اطلع التاجر على الخبر الذي دبرته هذه العجوز المكارة مع الولد قام التاجر على قدميه ثم قال الله أكبر أستغفر الله العظيم من ذنوبي وما توهمه خاطري وحمد الله الذي كشف له عن الحقيقة، ثم أقبل التاجر وقال لها هل تدخلين عندنا، فقالت له يا ولدي أنا أدخل عندك وعند غيرك لأجل الحسنة ومن ذلك اليوم لم يعطني أحد خبر ذلك القناع فقال التاجر هل سألت أحداً عنه في بيتنا فقالت له يا سيدي إني رحت البيت وسألت فقالوا لي أن الزوجة قد طلقها التاجر، فرجعت ولم أسأل أحداً بعد ذلك إلى هذا اليوم فالتفت التاجر إلى الولد وقال أطلق سبيل هذه العجوز فإن القناع عندي وأخرجه من الدكان وأعطاه للرتى قدام الحاضرين، ثم بعد ذلك ذهب إلى زوجته وأعطاها شيئاً من المال وأرجعها إلى نفسه بعد أن بالغ في الاعتذار إليها واستغفر الله وهو لا يدري بما فعلت العجوز فهذا من جملة كيد النساء أيها الملك.

قال الوزير وقد بلغني أيضاً أيها الملك أن بعض أولاد الملوك خرج منفرداً بنفسه ليتفرج فمر بروضة خضراء ذات أشجار وأثمار وأنهار تجري خلال تلك الروضة فاستحسن الولد ذلك الموضع وجلس فيه وأخرج من النقل الذي كان معه وجعل يأكل وهو كذلك إذ رأى دخاناً عظيماً طالعاً إلى السماء من ذلك المكان فخاف ابن الملك وقام فصعد على شجرة من الأشجار واختفى فيها، فلما طلع فوقها رأى عفريتاً طلع من وسط ذلك النهر وعلى رأسه صندوق من الرخام وعليه قفل فوضعه في تلك الروضة وفتح ذلك الصندوق فخرجت منه جارية كأنها الشمس الضاحية في السماء الصافية وهي من الإنس فأجلسها بين يديه يتفرج عليها ثم حط رأسه على حجرها فنام فأخذت رأسه وحطته على الصندوق وقامت تتمشى فلاح منها نظرة إلى تلك الشجرة فرأت ابن الملك فأومأت إليه بالنزول فامتنع من النزول فأقسمت عليه وقالت له إن لم تنزل وتفض بي الذي أقوله لك، نبهت العفريت من النوم وأعلمته بك فيهلكك من ساعتك فخاف الولد منها فنزل، فلما نزل قبلت يديه ورجليه وراودته عن قضاء حاجتها فأجابها إلى سؤالها.

فلما فرغ من قضاء حاجتها قالت له أعطني هذا الخاتم الذي بيدك فأعطاها الخاتم، فصرفته على منديل حيري كان معها وفيه عدة من الخواتم تفوق عن ثمانين وجعلت ذلك الخاتم من جملتها، فقال: وما تصنعين بهذه الخواتم التي معك فقالت له إن هذا العفريت اختطفني من قصر أبي وجعلني في هذا الصندوق وقفل علي بقفل معه ووضعني فيه على رأسه حيثما توجه ولا يكاد يصبر عني ساعة واحدة من شدة غيرته علي ويمنعني مما أشتهيه فلما رأيت ذلك منه حلفت أني لا أمنع أحداً من وصالي وهذه الخواتم التي معي على قدر عدة الرجال الذين واصلوني لأن كل من واصلني آخذ خاتمه فأجعله في هذا المنديل، ثم قالت له توجه إلى حال سبيلك لا تنظر أحد غيرك فإنه سيقوم في هذه الساعة فما صدق الولد بذلك إلا وانصرف إلى حال سبيله حتى وصل إلى منزل أبيه والملك لم يعلم بكيد الجارية لابنه ولم تخف من ذلك ولم تحسب له حساباً.

فلما سمع الملك أن خاتم ولده ضاع أمر أن يقتل ذلك الولد، ثم قام من موضعه فدخل قصره وإذا بالوزراء راجعوه عن قتل ولده، فلما كان ذات ليلة أرسل الملك إلى الوزراء يدعوهم فحضروا جميعاً، فقام إليهم الملك وتلقاهم وشكرهم على ما كان منهم من مراجعته في قتل ولده، وكذلك شكرهم الولد وقال لهم نعم ما دبرتم لوالدي في بقاء نفسي وسوف أجازيكم بخير إن شاء الله تعالى، ثم إنالولد بعد ذلك أخبرهم بسبب ضياع خاتمه فدعوا له بطول البقاء وعلو الارتقاء ثم انصرفوا من المجلس فانظر أيها الملك كيد النساء وما تفعله الرجال فرجع الملك عن قتل ولده، فلما أصبح الصباح جلسن وفي اليوم الثامن دخل عليه ولده ويده في يد مؤدبه السندباد وقبل الأرض بين يديه ثم تكلم بأفصح لسان ومدح والده ووزراءه وأرباب دولته وشكرهم وأثنى عليهم وكان حاضراً بالمجلس العلماء والأمراء والجند وأشراف الناس فتعجب الحاضرون من فصاحة ابن الملك وبلاغته وبراعته في نطقه. فلما سمع والده ذلك فرح به فرحاً شديداً زائداً ثم ناداه وقبله بين عينيه ونادى مؤدبه السندباد وسأله عن سبب صمت ولده مدة سبعة أيام، فقال له المؤدب: يا مولانا الإصلاح في أنه لا يتكلم فإني خشيت عليه من القتل في تلك المدة وكنت يا سيدي أعرف هذا الأمر يوم ولادته فإني لما رأيت طالعه دلني على جميع ذلك وقد زال عنه السوء بسعادة الملك، ففرح الملك وقال لوزرائه: لو كنت قتلت ولدي هل يكون الذنب علي أو على الجارية أو على المؤدب السندباد؟ فسكت الحاضرون عن رد الجواب فقال مؤدب الولد السندباد لولد الملك: رد الجواب يا ولدي.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الخامسة بعد الستمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن السندباد لما قال لابن الملك رد الجواب يا ولدي، قال ابن الملك: إني سمت أن رجلاً من التجار حل به ضيف في منزله فأرسل جاريته لتشتري له من السوق لبناً في جرة، فأخذت اللبن في جرتها وأرادت الرجوع إلى منزل سيدها، فبينما هي في الطريق غذ مرت عليها حدأة طائرة وفي مخلبها حية تعصرها به فقطرت نقطة من الحية في الجرة، وليس عند الجارية خبر بذلك، فلما وصلت إلى المنزل أخذ السيد منها اللبن وشرب منه هو وضيوفه فما استقر اللبن في جوفهم حتى ماتوا جميعاً، فانظر أيها الملك لمن كان الذنب في هذه القضية، فقال أحد الحاضرين الذنب للجماعة الذين شربوا، وقال آخر: الذنب للجارية التي تركت الجرة مكشوفة من غير غطاء، فقال السندباد مؤدب الغلام: ما تقول أنت في ذلك يا ولدي، فقال ابن الملك: أقول إن القوم أخطأوا ليس الذنب ذنب للجارية ولا للجماعة، وإنما آجال القوم فرغت مع أرزاقهم وقدرت منيتهم بسبب ذلك الأمر.

فلما سمع ذلك الحاضرون تعجبوا منه غاية العجب ورفعوا أصواتهم بالدعاء لابن الملك وقالوا له: مولانا قد تكلمت بجواب ليس له نظير، وأنت عالم أهل زمانك الآن. فلما سمع ابن الملك قال لهم: لست بعلام وإن الشيخ الأعمى وابن الثلاث سنين وابن الخمس سنين أعلم مني، فقال له الجماعة الحاضرون: حدثنا بحديث هؤلاء الذين هم أعلم منك يا غلام، فقال لهم ابن الملك: بلغني أنه كان تاجر من التجار كثير الأموال والأسفار إلى جميع البلدان، فأراد المسير إلى بعض البلدان فسأل من جاء منها وقال لهم: أي بضاعة فيها كثيرة الكسب؟ فقالوا له حطب الصندل فإنه يباع غالياً، فاشترى التاجر بجميع ما عنده من المال حطب صندل وسافر إلى تلك المدينة.

فلما وصل إليها كان قدومه إليها آخر النهار، وإذا بعجوز تسوق غنماً لها فلما رأت التاجر قالت له من أنت أيها الرجل؟ فقال لها: أنا رجل تاجر غريب. فقالت له: إحذر من أهل ذلك البلد، فإنهم قوم مكارون لصوص يخدعون الغريب ليظفروا به ويأكلوا ما كان منهم وبعد نصحتك ثم فارقته، فلما أصبح الصباح تلقاه رجل من أهل المدينة فسلم عليه وقال له يا سيدي من أين قدمت فقال له قدمت من البلد الفلانية، قال له ما حملت معك من التجارة قال له خشب صندل فإني سمعت أن له عندكم، فقال له الرجل لقد أخطأ من أشار عليك بذلك فإننا لا نوقد تحت القدر إلا بأي خشب فقيمته عندنا هو والحطب سواء.

فلما سمع التاجر كلام الرجل تأسف وندم وصار بين مصدق ومكذب ثم نزل ذلك التاجر في بعض خانات المدينة وصار يوقد الصندل تحت القدر، فلما رآه ذلك الرجل قال أتبيع هذا الصندل كل صاع بما تريده نفسك، فقال له بعتك فحول الرجل جميع ما عنده من الصندل في منزله وقصد البائع أن يأخذ ذهباً بقدر ما يأخذ المشتري، فلما أصبح الصباح تمشى التاجر في المدينة فلقيه رجل أزرق العينين من أهل تلك المدينة هو أعور فتلق بالتاجر وقال له أنت الذي أتلف عيني فلا أطلقك أبداً فأنكر التاجر ذلك وقال له إن هذا الأمر لا يتم فاجتمع الناس عليهما وسألوا الأعور المهلة إلى غد ويعطيه ثمن عينه فأقام الرجل التاجر له ضامناً حتى أطلقوه ثم مضى التاجر وقد انقطع نعله من مجاذبة الرجل الأعور، فوقف على دكان الاسكاف ودفعه له وقال له أصلحه لي ولك عندي ما يرضيك، ثم انصرف عنه وإذا بقوم قاعدين يلعبون فجلس عندهم من الهم والغم فسألوه اللعب معهم فأوقعوا عليه الغلب وغلبوه وخيروه أما إن يشرب البحر وإما أن يخرج من ماله جميعاً فقام التاجر وقال أمهلوني إلى غد. ثم مضى التاجر وهو مهموم على ما فعل ولا يدري كيف يكون حاله فقعد في موضع متفكراً مغموماً مهموماً، وإذا بالعجوز جائزة عليه فنظرت نحو التاجر فقالت له لعل أهل تلك المدينة ظفروا بك فإني أراك مهموماً من الذي أصابك فحكى لها جميع ما جرى من أوله إلى آخره، فقالت له من الذي عمل عليك في الصندل فإن الصندل عندنا قيمته كل رطل بعشرة دنانير ولكن أنا أدبر لك رأياً أرجو به أن يكون ذلك فيه خلاص نفسك، وهو أن تسير نحو الباب الفلاني فإن في ذلك الموضع شيخاً أعمى، مقعد أو هو عالم عارف كبير خبير وكل الناس تحضر عنده يسألونه عما يريدونه فيشير إليهم مما يكون لهم فيه الصلاح لأنه عارف بالمكر والسحر والنصب، وهو شاطر فتجتمع الشطار عنده بالليل، فاذهب عنده وأخف نفسك من غرمائك بحيث تستمع كلامهم ولا يرونك فإنه يخبرهم بالغالبة والمغلوبة لعلك تسمع منه حجة يخلصك من غرمائك.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السادسة بعد الستمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العجوز قالت للتاجر اذهب الليلة إلى العالم الذي يجتمع عليه أهل البلد، اخف نفسك، لعلك تسمع منه حجة تخلصك من غرمائك فانصرف التاجر من عندها إلى الموضع الذي أخبرته به وأخفى نفسه ثم نظر إلى الشيخ وجلس قريباً منه، فما كان إلا ساعة وقد حضر جماعته الذين يتحاكمون عنده، فلما صاروا بين يدي الشيخ سلموا عليه وسلم بعضهم على بعض وقعدوا حوله فلما رآهم التاجر ووجد غرماءه الأربعة من جملة الذين حضروا فقدم لهم الشيخ شيئاً من الأكل فأكلوا، ثم أقبل كل واحد منهم بخبره بما جرى له في يومه فتقدم صاحب الصندل وأخبر الشيخ بما جرى له في يومه من أنه اشترى صندلاً من رجل بغير قيمته واستقر البيع بينهما على ملء صاع مما يحب فقال له الشيخ قد غلبك خصمك فقال له كيف يغلبني، قال الشيخ إذا قال لك أنا آخذ ملئها ذهباً أو فضة فهل أنت تعطيه قال نعم أعطيه وأكون أنا الرابح، فقال له الشيخ فإذا قال لك أنا آخذ ملء صاع براغيث النصف ذكور والنصف إناث فماذا تصنع فعلم أنه مغلوب.

ثم تقدم الأعور وقال يا شيخ: إني رأيت اليوم رجلاً أزرق العينين وهو غريب البلاد فتقاربت إليه وتعلقت به وقلت له أنت قد أتلفت عيني وما تركته حتى ضمنه لي جماعة أنه يعود إلي ويرضيني في عيني، فقال له الشيخ لو أراد غلبك لغلبك قال وكيف يغلبني قال يقول لك اقلع عينك وأنا أقلع عيني ونزل كلاً منهما فإن تساوت عيني بعينك فأنت صادق فيما ادعيته، ثم يغرم دية عينك وتكون أنت أعمى ويكون هو بصيراً بعينه الثانية، فعلم أنه يغلبه بهذه الحجة ثم تقدم الإسكاف وقال له يا شيخ إني رأيت رجلاً أعطاني نعله وقال لي أصلحه فقلت له ألا تعطيني الأجرة فقال لي أصلحه ولك عندي ما يرضيك وأنا لا يرضيني إلا جميع ماله فقال له الشيخ إذا أراد أن يأخذ نعله منك ولا يعطيك شيئاً أخذه فقال له وكيف ذلك قال يقول لك إن السلطان هزمت أعداؤه وضعفت أضداده وكثرة أولاده وأنصاره أرضيت أم لا فإن قلت رضيت أخذ نعله منك وانصرف، وإن قلت لا أخذ نعله وضرب به وجهك وقفاك فعلم أنه مغلوب، ثم تقدم الرجل الذي لعب معه بالمراهنة وقال يا شيخ إني لقيت رجلاً فراهنته وغلبته فقلت له إن شربت هذا البحر فأنا أخرج عن جميع مالي لك وإن تشربه فاخرج عن جميع مالك لي فقال له الشيخ لو أراد غلبك لغلبك، فقال له وكيف ذلك قال يقول لك أمسك لي فم البحر بيدك وناوله لي وأنا أشربه فلا تستطيع ويغلبك بهذه الحجة فلما سمع التاجر ذلك عرف ما يحتج به على غرمائه ثم قاموا من عند الشيخ وانصرف التاجر إلى محله. فلما أصبح الصباح أتاه الذي راهنه على شرب البحر فقال له التاجر ناولني فم البحر وأنا أشربه فلم يقدر فغلبه التاجر وفدى الراهن نفسه بمائة دينار وانصرف ثم جاءه الإسكاف وطلب منه ما يرضيه فقال له التاجر إن السلطان غلب أعداءه وأهلك أضداده وكثرت أولاده وأنصاره أرضيت أم لا قال نعم رضيت فأخذ مركوبه بلا أجرة وانصرف، ثم جاءه الأعور وطلب منه دية عينه، فقال له التاجر اقلع عينك وأنا أقلع عيني ونزنهما فإن استوتا فأنت صادق فخذ دية عينك فقال له الأعور أمهلني ثم صالح التاجر على مائة دينار وانصرف ثم جاءه الذي اشترى الصندل فقال له خذ ثمن صندلاً بصاع من غيره فإن أردت خذه ملأه ذهباً أو فضة، فقال له التاجر أنا لا آخذه لأملاه براغيث النصف ذكوراً والنصف إناث فقال له أنا لا أقدر على شيء من ذلك فغلبه التاجر وفدى المشتري نفسه بمائة دينار بعد أن رجع له صندله، وباع التاجر الصندل كيف أراد وقبض ثمنه من تلك المدينة إلى بلده.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السابعة بعد الستمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الرجل التاجر لما باع صندله وقبض ثمنه سافر من تلك المدينة إلى مدينته ثم قال ابن الملك وأما ابن الثلاث سنين فإنه كان رجل فاسق مغرم بالنساء قد سمع بامرأة ذات جمال وهي ساكنة في مدينة غير مدينته فسافر إلى المدينة التي هي فيها وأخذ معه هدية وكتب لها رقعة تصف لها شدة ما يقاسيه من الشوق والغرام، وقد حمله حبه إياها على المهاجرة إليها والقدوم عليها فأذنت له بالذهاب إليها، فلما وصل إلى منزلها ودخل عليها قامت له على قدميها، وتلقته بالإكرام والاحترام وقبلت يديه وضيفته ضيافة لا مزيد عليها من المأكول والمشروب ولها ولد صغير له من العمر ثلاث سنين فتركته واشتغلت بتحضير الطبخ، فقال لها الرجل قومي بنا ننام فقالت له إن ولدي قاعد، فقال لها هذا ولد صغير لا يفهم ولا يعرف أن يتكلم فقالت له لو علمت معرفته ما تكلمت.

فلما علم الولد أن الأرز استوى بكى بكاء شديداً فقالت له أمه ما يبكيك يا ولدي فقال لها اغرفي لي من الأرز واجعلي لي فيه سمناً، فغرفت وجعلت عليه السمن فأكل الولد ثم بكى ثانياً فقالت له أمه ما يبكيك يا ولدي فقال لها يا أماه اجعلي لي عليه سكراً فقال له الرجل وقد اغتاظ منه ما ت إلا ولد مشؤوم فقال له الولد: والله يا مشؤوم ما أنت إلا حيث تعبت وسافرت من بلد إلى بلد في طلب الزنا، وأما أنا فبكائي من أجل شيء كان في عيني فأخرجته بالدموع وأكلت بعد ذلك أرزاً وسمناً وسكراً وقد اكتفيت فمن المشؤوم منا.

فلما سمع الرجل ذلك خجل من كلام ذلك الولد الصغير ثم أدركته الموعظة فتاب من وقته وساعته ولم يتعرض لها بشيء وانصرف إلى بلده ولم يزل تائباً إلى أن مات ثم قال ابن الملك وأما ابن الخمس سنين فإنه بلغني أيها الملك أن أربعة من التجار اشتركوا في ألف دينار وقد خلطوها بينهم وجعلوها في كيس واحد فذهبوا بها ليشتروا بضاعة، فلقوا في طريقهم بستاناً حسناً فدخلوه وتركوا الكيس عند حارسة البستان وقالوا لها: لا تدفعي هذا الكيس إلا إذا حضرنا جميعاً، فلما دخلوا تفرجوا في ناحية البستان وأكلوا وشربوا وانشرحوا فقال واحد منهم: أنا معي طيب تعالوا نغسل رؤوسنا من هذا الماء الجاري ونتطيب قال آخر يحتاج إلى مشط قال آخر نسأل الحارسة لعل أن يكون عندها مشط فقام واحد منهم إلى الحارسة وقال لها ادفعي لي الكيس فقالتله حتى تحضروا كلكم أو يأمرني رفقاؤك أن أعطيك إياه وكان رفقاؤه من مكان بحيث تراهم الحارسة وتسمع كلامهم، فقال الرجل لرفقائه ما هي راضية أن تعطيني شيئاً فقالوا لها أعطيه، فلما سمعت كلامهم أعطته الكيس فأخذه الرجل وخرج هارباً منهم، فلما أبطأ عليهم جاءوا إلى الحارسة وقالوا لها مالك لم تعطيه المشط قالت لهم: ما طلب مني إلا الكيس ولم أعطه إياه إلا بإذنكم وخرج من هنا إلى حال سبيله فلما سمعوا كلام الحارسة لطموا على وجوههم وقبضوا عليها بأيديهم، وقالوا لها نحن ما أذناك إلا بإعطاء المشط فقالت لهم ما ذكر لي مشطاً فقبضوا عليها ودفعوها إلى القاضي فلما حضروا بين يديه قصوا عليه القصة فألزم الحارسة بالكيس وألزم بها جماعة من غرمائها.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثامنة بعد الستمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن القاضي لما ألزم الحارسة بالكيس وألزم بها جماعة من غرمائها خرجت وهي حيرانة لم تعرف طريقاً، فلقيها غلام له من العمر خمس سنين فلما رآها الغلام وهي حيرانة قال لها ما بالك يا أماه فلم ترد عليه جواباً واستحقرته لصغر سنه فكرر عليها الكلام أولاً وثانياً وثالثاً فقالت له إن جماعة دخلوا على البستان ووضعوا عندي كيساً فيه ألف دينار وشرطوا علي أن لا أعطي أحداً الكيس إلا بحضورهم كلهم ثم دخلوا البستان يتفرجون ويتنزهون فيه، فخرج واحد منهم وقال أعطني الكيس فقلت له حتى يحضر رفقاؤك فقال لي قد أخذت الإذن منهم، فلم أرض أن أعطيه الكيس فصاح على رفقائه وقال لهم ما هي راضية أن تعطيه شيئاً، فقالوا لي أعطيه وكانوا بالقرب مني فأعطيته الكيس فأخذه وخرج إلى حال سبيله.

فاستبطأه رفقاؤه فخرجوا إلي وقالوا لأي شيء لم تعطيه المشط فقلت لهم ما ذكر لي مشطاً وما ذكر لي إلا الكيس فقبضوا علي ودفعوني إلى القاضي وألزمني بالكيس، فقال لها الغلام أعطيني درهماً آخذ به حلاوة وأنا أقول لك شيئاً يكون فيه الخلاص فأعطته درهماً وقالت له ما عندك من القول فقال لها الغلام ارجعي إلى القاضي وقولي له كان بيني وبينهم أني لا أعطيهم الكيس إلا بحضورهم الأربعة قال فرجعت الحارسة إلى القاضي وقالت له ما قاله لها الغلام فقال لهم القاضي أكان بينكم وبينها هكذا قالوا نعم، فقال لهم القاضي أحضروا لي رفيقكم وخذوا الكيس، فخرجت الحارسة سالمة ولم يحصل لها ضرر وانصرفت إلى حال سبيلها، فلما سمع الملك كلام ولده والوزراء ومن حضر ذلك المجلس، قالوا للملك يا مولانا إن ابنك هذا أبرع أهل زمانه فدعوا له وللملك، فضم الملك ولده إلى صدره وقبله بين عينيه وسأله عن قضيته مع الجارية فحلف ابن الملك بالله العظيم وبنبيه الكريم أنها هي التي راودته عن نفسها، فصدقه الملك في قوله وقال له حكمتك فيها إن شئت فاقتلها وإلا فافعل بها ما تشاء فقال الولد لأبيه انفيها من المدينة، وقعد ابن الملك مع والده في أرغد عيش وأهنأه، إلى أن أتاهم هادم اللذات ومفرق الجماعات وهذا آخر ما انتهى إلينا من قصة الملك وولده والجارية والوزراء السبعة.